مدار + بيبل ديسباتش: 14 دجنبر/ كانون الأول 2022
شكل يوم السادس من يونيو/ حزيران 2021 صدمة بالنسبة لأغلبية الأوليغارشية في بيرو، حين فاز بيدرو كاستيلو تيرونيس – وهو معلم بمدرسة ريفية لم يتم انتخابه من قبل لأي منصب ولو حتى إداري – بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بأكثر من 50.13% من الأصوات. هذا وكان صوت أكثر من 8.8 ملايين شخص لصالح برنامج كاستيلو للإصلاحات الاجتماعية العميقة، مع الوعد بوضع دستور جديد ضد مرشحة اليمين المتطرف، كيكو فوجيموري، في تحول دراماتيكي للأحداث، بحيث تم رفض وكنس الأجندة التاريخية للنيوليبرالية والقمع، التي نقلها الدكتاتور البيروفي السابق ألبرتو فوجيموري إلى ابنته كيكو، في صناديق الاقتراع.
منذ ذلك اليوم، أعلنت الأوليغارشية البيروفية الحرب على كاستيلو. لقد جعلوا الأشهر الثمانية عشر التالية للرئيس الجديد فترة عداء كبير، إذ سعوا إلى زعزعة استقرار حكومته بهجوم متعدد الجوانب تضمن استخداما كبيرا للحرب القانونية، مع الدعوة إلى “التخلص من الشيوعية”. وتم وضع الخطط من قبل المجموعة الأوليغارشية المكونة من رواد الأعمال، والجمعية الوطنية للصناعات، في سبيل جعل البلاد غير قابلة للحكم تحت قيادة كاستيلو.
في أكتوبر 2021، تم إصدار تسجيلات كشفت أنه منذ يونيو 2021 كانت هذه المجموعة من الصناعيين، إلى جانب أعضاء آخرين من النخبة البيروفية وقادة أحزاب المعارضة اليمينية، يخططون لسلسلة من المناورات، بما في ذلك تمويل الاحتجاجات والإضرابات. وبدأ الأمر من خلال قيام مجموعات من العسكريين السابقين، متحالفين مع السياسيين اليمينيين المتطرفين، مثل فوجيموري، بالدعوة علانية للإطاحة بكاستيلو، مهددين في الآن نفسه المسؤولين الحكوميين والصحافيين ذوي الميول اليسارية.
وانضم اليمين في الكونغرس أيضا إلى هذه الخطط، وحاول عزل كاستيلو في مناسبتين خلال سنة حكمه الأولى. وقال كاستيلو في مارس/ آذار 2022: “منذ تنصيبي كرئيس لم يقبل القطاع السياسي الفوز الانتخابي الذي منحه لنا الشعب البيروفي. إنني أفهم سلطة الكونغرس في ممارسة الرقابة والسيطرة السياسية، ومع ذلك لا يمكن لهذه المؤسسة أن تتعمد خرق الدستور وتجاهل الإرادة الشعبية المعبر عنها في صناديق الاقتراع”. واتضح أن العديد من هؤلاء المشرعين، بدعم من مؤسسة ألمانية يمينية، كانوا قد اجتمعوا في وقت سابق وناقشوا كيفية تعديل الدستور لإزالة كاستيلو بسرعة من منصبه.
ولم يكن بوسع ممسكي مقاليد الحكم في بيرو أن يقبلوا أبدا أن معلما ريفيا وزعيم فلاحين يمكن أن يتولى منصبا بهذه الأهمية بدعم من ملايين الفقراء والسود والسكان الأصليين، الذين رأوا أملهم في مستقبل أفضل في كاستيلو. ومع ذلك، في مواجهة هذه الهجمات، ابتعد كاستيلو أكثر فأكثر عن قاعدته السياسية، بحيث شكل أربع حقائب مختلفة لإرضاء قطاعات الأعمال، وفي كل مرة كان يرضخ لمطالب اليمين بإزالة الوزراء اليساريين الذين تحدوا الوضع الراهن.
هذا وكان كاستيلو انفصل عن حزبه “بيرو ليبري” عندما تحداه زعماؤه علانية، ليلجأ بعد ذلك إلى طلب المساعدة من منظمة الدول الأمريكية، التي فقدت مصداقيتها بالفعل، في البحث عن حلول سياسية بدلا من تعبئة حركات الفلاحين والسكان الأصليين الرئيسية في البلاد. في النهاية، كان كاستيلو يقاتل بمفرده، دون دعم من الجماهير أو أحزاب اليسار في بيرو.
واندلعت الأزمة الأخيرة لكاستيلو في 7 دجنبر/ كانون الأول 2022، التي جاءت نتيجة شهور من مزاعم الفساد والتراشقات الداخلية ومحاولات متعددة لتجريمه، لتتم في الأخير الإطاحة به وسجنه؛ وتم استبداله بنائبته، دينا بولوارت، التي أدت اليمين بعد أن قام الكونغرس بعزل كاستيلو بأغلبية 101 صوت وستة ضده وامتناع عشرة عن التصويت.
وجاء التصويت بعد ساعات من إعلان كاستيلو عبر التلفزيون الوطني أنه سيحل الكونغرس. لقد فعل ذلك بشكل استباقي، قبل ثلاث ساعات من بدء جلسة الكونغرس التي كان من المقرر فيها مناقشة اقتراح لفصله بسبب “العجز الأخلاقي الدائم” نظير مزاعم الفساد قيد التحقيق.
وفي الإعلان ذاته الذي سبق عزله كان كاستيلو صرح بأنه سيشكل “حكومة طوارئ استثنائية”، مع عقد جمعية تأسيسية في غضون تسعة أشهر، وقال إنه سيحكم بمرسوم حتى تنصيب الجمعية التأسيسية؛ وفي رسالته الأخيرة كرئيس، أصدر أيضا قرارا بحظر التجول يبدأ في الساعة 10 من تلك الليلة. ولم يتم تطبيق الحظر، وكذلك الإجراءات الأخرى التي اتخذها، بل إنه وبعد ساعات تمت الإطاحة به.
وأدت بولوارت اليمين أمام الكونغرس، بينما كان كاستيلو محتجزا في مركز للشرطة. واندلعت بعض المظاهرات في العاصمة ليما، لكنها لم تكن كبيرة بما يكفي لعكس مسار الانقلاب الذي استغرق ما يقرب من عام ونصف العام، وهو الأحدث في تاريخ أمريكا اللاتينية الطويل من العنف ضد التحولات الجذرية.
ويمثل الانقلاب على بيدرو كاستيلو نكسة كبيرة للموجة الحالية من الحكومات التقدمية في أمريكا اللاتينية والحركات الشعبية التي انتخبتها. كما يعد هذا الانقلاب واعتقال كاستيلو تذكيرا صارخا بأن النخب الحاكمة في أمريكا اللاتينية لن تتنازل عن السلطة دون قتال مرير حتى النهاية. الآن وبعد أن تلاشى الغبار، الفائزون الوحيدون هم الأوليغارشية البيروفية وأصدقاؤهم في واشنطن.