بيبلز ديسباتش/ مدار: 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2025
بافان كولكارني
تهز الاحتجاجات الكاميرون في الوقت الذي يستعد فيه رئيسها منذ عام 1982، بول بيا، أكبر رؤساء الدول سناً وأطولهم خدمة في العالم عن عمر يناهز 92 عاماً، لأداء اليمين الدستورية لفترة رئاسية أخرى مدتها سبع سنوات، ستستمر حتى يبلغ من العمر قرابة 100 عام.
في يوم الاثنين، 27 تشرين الأول/ أكتوبر، أعلن المجلس الدستوري فوزه في الانتخابات التي جرت في 12 من الشهر الجاري، بنسبة 53.66% من الأصوات، متقدماً على عيسى تشيروما بكاري الذي حصل على 35.19%.
وقبل هذا الإعلان، نزل أنصار تشيروما يوم الأحد إلى شوارع العاصمة التجارية للكاميرون، دوالا، استجابة لدعوته إلى الاحتجاج، زاعمين أنه يجري التلاعب بالأصوات، ومطالبين بالاعتراف بفوزه.
ومع امتداد الاحتجاجات إلى عدة أحياء في المدينة، استخدمت الشرطة القوة، بما في ذلك الذخيرة الحية، لتفريق الحشود، ما أدى إلى إصابة عدة أشخاص بجروح خطيرة. ومع انتشار أخبار إطلاق النار، اندلعت احتجاجات أيضاً في عدة مدن أخرى، بما في ذلك ماروا، وميغانغا، وكايلي، وبيرتوا، ومدينة غاروا الشمالية.
غاروا هي مسقط رأس تشيروما، حيث كان أنصاره قد نزلوا بالفعل إلى الشوارع في 21 تشرين الأول/ أكتوبر، مندّدين بالتزوير بعد أن أعلنت اللجنة الوطنية لفرز الأصوات في 20 تشرين الأول/ أكتوبر فوز بيا وفقاً للنتائج التي كانت ستقدمها إلى المجلس الدستوري.
وفتحت الشرطة النار، ما أسفر عن مقتل شخصين، من بينهما معلمة شابة أصيبت برصاصة طائشة في طريق عودتها من العمل. كما أطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين المعارضين في العاصمة ياوندي في ذلك اليوم. وأُفيد بوقوع مظاهرات أيضاً في بافوسام، ودشانغ، وكوسيري، ودوالا.
وقال وزير الداخلية بول أتانغا نجي في بيان صدر في ذلك اليوم، إن الأشخاص العشرين الذين اعتُقلوا خلال الاحتجاجات سيوجه إليهم اتهام “التحريض على التمرد والعصيان”، وستتم محاكمتهم أمام محكمة عسكرية.
وردّ تشيروما قائلاً: “عندما يُحشر الشعب في زاوية، لن يكون أمامه خيار سوى أن يأخذ مصيره بيده ويبحث عن النصر حيثما يجده”، ملمحاً إلى مزيد من التصعيد.
وقدمت أحزاب المعارضة وهيئات المجتمع المدني ومنظمات أخرى ثماني عرائض منفصلة إلى المجلس الدستوري، وهو الهيئة المخولة دستورياً بإعلان النتائج الرسمية بعد التحقق من البيانات التي جمعتها اللجنة الوطنية لفرز الأصوات. وطالب مقدمو العرائض بإلغاء جزئي أو كامل للانتخابات، زاعمين وجود مخالفات واسعة النطاق، بما في ذلك حشو صناديق الاقتراع وترهيب الناخبين.
ورفض المجلس جميع العرائض في 22 تشرين الأول/ أكتوبر على أساس “عدم كفاية الأدلة على وجود مخالفات” أو “عدم الاختصاص”، وقال إنه سيعلن النتائج الرسمية في 27 من الشهر. ولم يقدم تشيروما نفسه عريضة إلى المجلس، معتبراً إياه هيئة منقوصة الأهلية تتألف من أعضاء اختارهم بيا.
بدلاً من ذلك، لجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي ليعلن نفسه “الرئيس الشرعي والقانوني”، زاعماً أنه فاز بنحو 55% من الأصوات. وقال: “إذا أعلن المجلس الدستوري نتائج مزورة ومبتورة، فسيكون شريكاً في خيانة الأمانة”.
وذُكر أن بيا سعى إلى نزع فتيل التصعيد، حيث عرض على تشيروما منصب رئيس الوزراء الأسبوع الماضي في اجتماع سري باركه دبلوماسيون أجانب، وفقاً لمجلة “جون أفريك“.
أحد المخضرمين في نظام بيا
ففي النهاية، يُعد تشيروما أحد المخضرمين في النظام القائم. فبعد أن سُجن بسبب محاولة انقلاب فاشلة ضد بيا في عام 1984، بدأ تشيروما مسيرته بعد إطلاق سراحه كعضو معارض في البرلمان عام 1992، قبل أن ينضم إلى الحكومة في وقت لاحق من ذلك العام وزيراً للنقل حتى عام 1996.
شغل منصب وزير الاتصالات من عام 2009 إلى 2019، حتى تم تعيينه وزيراً للعمل، وهو منصب شغله حتى استقالته قبل أشهر فقط من الانتخابات لمنافسة بيا.
كان من بين أبرز المتحدثين باسم نظام بيا في دوره كوزير للاتصالات، حيث نفى الفظائع التي ارتكبها الجيش بحق المدنيين من الأقلية الناطقة بالإنجليزية في منطقتي الشمال الغربي والجنوب الغربي.
انقلاب في المواقف بشأن الفيدرالية وأزمة الأنغلوفون
لطالما اشتكت المنطقة الناطقة بالإنجليزية من التهميش والحرمان الاقتصادي، بعد أن حُرمت من حكمها الذاتي في عام 1972 عندما تم إلغاء التقسيم الفيدرالي باستفتاء لصالح دولة موحدة.
ووصلت التوترات إلى ذروتها في أواخر 2016 عندما اندلعت احتجاجات حاشدة في منطقتي الشمال الغربي والجنوب الغربي ضد فرض الحكومة محامين ومعلمين ناطقين بالفرنسية على المحاكم والمدارس في المناطق الناطقة بالإنجليزية.
وعندما أطلق نظام بيا العنان للجيش، تحولت الاحتجاجات السلمية إلى تمرد انفصالي مسلح. وقُتل ما لا يقل عن 6000 شخص في المواجهات العنيفة التي تلت ذلك، ما أدى إلى نزوح أكثر من نصف مليون شخص، وترك 1.3 مليون بحاجة إلى مساعدات.
وكان تشيروما، بصفته المتحدث باسم الحكومة، قد وصف التقارير بأنها “خيالية” و”محاولة خرقاء للتضليل”، متهماً منظمات حقوق الإنسان التي توثق الفظائع بالتواطؤ مع الانفصاليين.
وقال في حملته الانتخابية: “أتفق 100% على أن الجيش ارتكب فظائع. ولكن كوزير للاتصالات، كان واجبي هو الدفاع عن قواتنا المسلحة. اليوم، أتحدث كرجل حر”.
بل وعرض إجراء استفتاء لإعادة البلاد إلى الفيدرالية، وهو مطلب قديم في المنطقة الناطقة بالإنجليزية. وقال: “أقولها بوضوح: لقد فشلت المركزية”. ولكن كوزير للاتصالات، ذُكر أن تشيروما قد منع وسائل الإعلام الوطنية من استخدام هذه الكلمة.
وتوسل في حملته الانتخابية للحصول على أصوات الناطقين بالإنجليزية قائلاً: “بصفتي وزيراً، فعلت شيئاً… آذى مشاعركم… أرجوكم أن تسامحوني لأنني أعتذر”. وعرض عفواً عن السجناء السياسيين، واقترح عملية مصالحة وطنية مع القادة الانفصاليين.
انعدام الأمن، بنية تحتية متداعية، ورئيس عجوز
تعاني المنطقة الناطقة بالفرنسية، التي تشكل غالبية سكان الكاميرون، أيضاً من انعدام الأمن. فالمدنيون في أقصى الشمال، حيث ينحدر تشيروما، يعانون من هجمات جماعة بوكو حرام الإرهابية.
وتعاني المنطقة الشرقية من امتداد الجماعات المسلحة التي تقاتل في جمهورية أفريقيا الوسطى المجاورة. ويُعد التنافس على الأراضي والمياه بين المزارعين المستقرين والرعاة الرحل في المنطقة الأوسع المحرك الرئيسي لهذا الصراع، والذي تجلى أيضاً في شكل عنف طائفي في مناطق زراعية أخرى في الكاميرون. وفي العام الماضي وحده، نزح مليون شخص. ويعاني ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد في المناطق المتضررة من النزاع.
وتنهار المباني كل مرة في مدن الكاميرون بسبب نقص الصيانة. وتعكس بنيتها التحتية المتداعية الشائعات حول تدهور صحة بيا، وهي نقاشات منعت وسائل الإعلام من تناولها.
ورغم كل ذلك، سعى بيا لولاية أخرى مدتها سبع سنوات وهو في الثانية والتسعين من عمره. وفي هذا السياق، استقال تشيروما من منصب وزير العمل في حزيران/ يونيو الماضي، قبل أشهر فقط من الانتخابات، وأعلن قراره بالترشح ضد بيا.
مع استبعاد مرشح المعارضة الرئيسي، يتصدر تشيروما المشهد
كان الخصم الرئيسي لبيا في ذلك الوقت هو زعيم المعارضة موريس كامتو، الذي حل في المرتبة الثانية في الانتخابات الرئاسية السابقة لعام 2018، والتي شابتها أيضاً مزاعم بالتلاعب على نطاق واسع. في تموز/ يوليو، رفضت هيئة الانتخابات الكاميرونية (ELECAM) ترشيح 70 من أصل 83 متقدماً، بمن فيهم كامتو.
ومع إزاحة المنافس الرئيسي لبيا بهذه الطريقة، تمركز تشيروما كمنافسه الرئيسي. ودعم ائتلاف من أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، “اتحاد من أجل التغيير”، ترشيحه في انتخابات 12 تشرين الأول/ أكتوبر.
وفي الليلة التي تلت الاقتراع، أعلن تشيروما فوزه في خطاب مصور قرأه من جهاز لوحي مع صورة له والعلم الوطني في الخلفية. وقال إنه “في الأيام المقبلة”، سيثبت فوزه بتجميع “مفصل” للأصوات من المناطق عبر النتائج المعروضة “علناً”.
كان ذلك تحدياً صريحاً لوزير الداخلية بول أتانغا نجي، الذي كان قد أكد مجدداً في ختام الاقتراع مساء اليوم السابق: “فقط الهيئات المسؤولة عن مركزية وعد الأصوات هي التي ستتولى الأمر… لا يجب أن توجد أي مبادرة أخرى خارج هذا الإطار القانوني”.
وحذر قائلاً: “أولئك الذين يخالفون القانون، بغض النظر عن وضعهم السياسي أو مكانتهم الاجتماعية، سيواجهون صرامته الكاملة دون أدنى تساهل”.
ويقوم بضع عشرات من الشبان بحراسة فيلا تشيروما في غاروا، مسلحين بالهراوات. وقال أحدهم لصحيفة “لوموند“: “لدينا حراس. إذا جاءت الشرطة، فسيأتي جميع الشباب”. ولم تحاول الشرطة حتى الآن اعتقال تشيروما.
وفي حين أدانت الحركة الديمقراطية للشعب الكاميروني الحاكمة (CPDM) إعلانه الفوز بنفسه ووصفته بأنه “خدعة بشعة… وعمل غير مقبول في دولة يحكمها القانون”، ذُكر أن بيا قدم له عرضاً لتقاسم السلطة كرئيس للوزراء. ومع ذلك، أفادت “جون أفريك” أن تشيروما رفض العرض وأصر على الاعتراف بفوزه.
رسالة مشؤومة
في غضون ذلك، كانت التوترات السياسية تتصاعد، خاصة بعد اشتباك أنصاره مع الشرطة التي فتحت النار في 21 تشرين الأول/ أكتوبر في غاروا. وفي أقصى الشمال، في مدينة ماروا، الأكثر تضرراً من بوكو حرام، ورد أن مجموعة من الشباب تركوا رسالة خارج مكتب الحاكم الإقليمي، جاء فيها: “شباب ماروا يكتبون إليكم اليوم لإبلاغكم بأننا سئمنا من هذا البلد لأن منطقة أقصى الشمال هي أفقر منطقة”.
وأصرت الرسالة على أن “جميع المواطنين صوتوا” لصالح تشيروما، زاعمة “لكن الحكومة تريد تزويرها”. وبنبرة مشؤومة وعدمية، أضافت: “من الأفضل الذهاب للانضمام إلى بوكو حرام… بدلاً من البقاء لسبع سنوات أخرى. إذا تركتمونا نذهب، فستدفعون أنتم ونشطاء الحركة الديمقراطية للشعب الكاميروني الثمن دماً في ماروا”.

