المراسلة 8: إن امتيازاتكم ليست كونية

مشاركة المقال

فيجاي براشاد

معهد القارات الثلاث للبحوث الاجتماعية / مدار:  25 شباط/ فبراير 2021

خوسيه بالميس(تشيلي)، لوتا الصمت،2007.

نُقشت رسومات بالأحمر على جدران العاصمة التشيلية سانتياغو، حملت في طيّاتها شعارات جسدت الواقع (امتيازاتكم ليست كونية). وقد استمدت هذه الشعارات من واقع كون امتيازات السلطة والممتلكات لا يتم اقتسامها على نطاق الفجوة الطبقية المتسعة. إننا أمام واقع إذا ما تأملنا في حقيقته سنجد أن ما يزيد عن ثلاثة مليارات شخص- أو نصف سكان العالم- لم يكن بإمكانهم الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية قبل وصول الجائحة العام الماضي. هذه المعطيات تم تأكيدها من خلال تقرير لمنظمة الصحة العالمية لعام 2017، الذي يعمل بدوره على تتبع المسائل المهمة، مثل الوصول إلى المرافق الصحية الأساسية من الأسر (تفتقر إليها 2.3 مليار نسمة) والرعاية الطبية لمرضى الضغط الدموي (يعاني منه مليار نسمة).

يشير تقرير صادر عن منظمة أوكسفام في 25 يناير 2021 حمل عنوان “فيروس عدم المساواة” إلى أنّ “جائحة كورونا تتسبب في زيادة كبيرة في التفاوت منذ بدأت عمليات الرصد. و بالموازاة مع ذلك فإن الجائحة تعجّل في تصاعد آني وسريع لهذا التفاوت في بلدان عدة”. وقبل الجائحة، قدّر البنك الدولي أن ما يقارب ملياري نسمة “يعيشون تحت وطأة الفقر، أي ما دون المستويات التي تحددها مجتمعاتهم لحياة لائقة”. وبفعل أزمة العمالة التي فاقمتها الجائحة، من المرجح – وفق ما أشارت  إليه الأمم المتحدة- أن يغرق نصف مليار شخص آخر في مستنقع الفقر بحلول نهاية العقد الحالي؛ وتتفق أرقام البنك الدولي مع ذلك.

“وفي ظل استمرار الجائحة”، كتب محللو البنك الدولي: “من المتوقع أن يعيش الفقراء الجدد في بيئات حضرية مكتظة وأن يعملوا في القطاعات الجد متأثرة بقيود الإغلاق والتنقل؛ يعمل العديد منهم في المرافق غير النظامية ولا يستفيدون بأي شكل من الأشكال من شبكات الحماية الاجتماعية القائمة”. ويشكل هؤلاء مليارات من جموعٍ ستنزلق إلى غياهب الديون واليأس، كما تضمحل فرصهم في التعليم والرعاية الصحية بتنامي معدلات الجوع في أوساطهم.

ألكساندر دينكا (الاتحاد السوفياتي)، عاطلون عن العمل في برلين،1932.

ما من مبالغة في ما كتب أعلاه، فكل الأرقام والمعلومات أوردها باحثون ومحللون من قبيل منظمات رئيسية مثل منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي، ولم يقم أي منهما بالتطرق بأي شكل من الأشكال إلى الآثار السلبية للسياسة الرأسمالية؛ وإن كانتا تسعيان إلى شيء فهو تقليل مخاطر الخصخصة والسياسات التي تقوم بها الشركات، والحث على مزيد من الاقتطاعات في النظم العامة. خلال فترة تولي غرو هارلم برونتلاند رئاسة منظمة الصحة العالمية (1998-2003)، شجعت المنظمة على تشكيل شراكات بين القطاعين الخاص والعام وشراكات إنمائية لتطوير المنتجات. لقد سرّع تركيز منظمة الصحة العالمية على القطاع الخاص-إلى جانب الضغط المسلط من صندوق النقد الدولي لخفض تمويل القطاع العمومي- من استنزاف نظم الصحة العامة في العديد من البلدان الفقيرة.

عندما كان لزاماً على منظمة الصحة العالمية أن تقود الجهود لتعزيز نظم الصحة العامة وخلق بنيات إقليمية ووطنية لإنتاج العقاقير الدوائية، قامت ضمن شراكات بين القطاعين الخاص والحكومي إلى جانب وكالات أخرى بإفراز  هيئات مثل التحالف العالمي للقاحات والتحصين (GAVI). ورغم أنه لم يمول تمويلاً كافياً إلا أن التحالف في طريقه الآن لتقديم لقاحات COVID-19 للبلدان منخفضة الدخل. فالأفراد الذين أنتجوا التقشف العالمي، وهو قفرٌ من الممكنات، أدركوا الآن فقط مخاطر فيروس عدم المساواة.

هوجو غيلرت (الولايات المتحدة الأمريكية) ، الرفيق غوليفر، ـ1935.

إن قلقنا إزاء عدم المساواة ليس كافيا، فثمة مجموعة من الإصلاحات المنطقية والممكنة التي تنادي بها منظمات شعبية في سائر أنحاء العالم، تشمل:

  1. رعاية صحية شاملة ومجانية. لقد تحقق ذلك في بلدان أفقر مثل كوستاريكا وتايلند وكذلك في دول اشتراكية، لذلك ينبغي أن يكون هذا هو هدف كل بلد على الكوكب.
  2. اللقاح الشعبي. يتصاعد الزخم من أجل توفر لقاح شعبي، في ظل أنه لا ينبغي أن ترتبط إتاحة اللقاح بإمكانية الحصول على براءات الاختراع للقاحات كوفيد-19 من عدمها، بل بناء مصانع أدوية في بلدان الدخل المنخفض والاعتماد على القطاع العمومي.

بلا شك يمكن تمويل هذين الإجراءين الأساسيين عبر الأموال المصدرة الآن لخدمة الديون المقيتة. غير أن مثل هذه الحلول المنطقية التي ستقدم إغاثة عاجلة للناس قد وضعت جانباً، فرغم قوة الكلمات المتداولة حول المشكلات التي أثارها التقشف فإن الدعوات التقشفية تزداد، وبدوره أنتج المزيد من الاضطرابات الاجتماعية.

عوضاً عن تركيز الانتباه على المشكلات الفعلية التي تواجه أفراد الكوكب والاعتراف بالمطالب الديمقراطية التي تأتي من المنظمات الشعبية والتجليات السلوكية، نهجت الحكومات تلو الأخرى ممارسات تنم عن سلوك غير ديمقراطي. مثال ذلك: يواصل المزارعون والعمال الزراعيون في الهند احتجاجهم الذي امتد لأشهر ضد ثلاثة قوانين مناهضة للمزارعين، قامت الحكومة الهندية اليمينية المتطرفة بتنزيلها. إذ تدرك حكومة رئيس الوزراء نارندرا مودي أن التزامها برأس المال الكبير- مجسدا في ثروات عائلتي أداني وأمباني- يمنعها من أي مفاوضات جادة مع المزارعين والعمال الزراعيين؛ وفي طريق تحقيق أهدافها قامت بتصوير المزارعين والعمال الزراعيين على أنهم إرهابيون مناهضون للوطنية.

وحين لم ينجح ذلك، سعت الحكومة إلى ملاحقة الصحافيين ووسائل الإعلام التي نقلت نضال المزارعين، فقد ألقي القبض على العديد من موردي التقارير أو المشاركين في الاحتجاج أو من أبدوا تضامنا مع المحتجين- من قبيل حالات: الصحافي مانديب بونيا والناشط في مجال حقوق العمال نوديب كور والناشطة ديشا رافي التي أسست وشاركت المزارعين بمجموعة أدوات لدعمهم. وأخيرا قامت الحكومة عبر دعوى قضائية بشن غارة استمرت لـ 113 ساعة ضد وكالة نيوز كليك، إحدى منصات الإعلام الرئيسية، كرد فعل على تغطيتها للاحتجاجات؛ وقد حاولت تلفيق الاتهامات المفبركة بغسيل الأموال في سبيل النيل من سمعة الوكالة، التي حازت ثقة الملايين من القرّاء والمشاهدين بتقاريرها المقدمة التي رفعت من مشاعر ومطالب المزارعين.

جاغديش سوامينثان (الهند)، بلا عنوان،1974.

من ناحية أخرى، أصدرت وزارة التعليم الهندية أمراً قضائيا في 15 يناير، اشترط على أي مؤتمر عبر الإنترنت أو حلقة دراسية شبكية قد تناقش “الشؤون الداخلية” للهند، وتلك التي تحظى برعاية أجنبية، أن تلتمس موافقة الحكومة مسبقاً. وبالمثل، شرعت الحكومة الفرنسية في عملية للتحقق من البحوث الأكاديمية التي تروج لأفكار “اليسار الإسلامي”. وبالتالي، وفقا لوزير التعليم العالي الفرنسي فإنها “تفسد المجتمع”. وباسم القضاء، تُداس حرية التعبير بمنتهى البساطة، وتنكشف هشاشة الطابع الرسمي للديمقراطية. فالهجوم على وكالة نيوز كليك إلى جانب تحقيقات البحوث الأكاديمية في فرنسا يكشف الفجوة المترامية بين المُثل الديمقراطية والحنكة الممارسة من طرف الدولة.

ورغم ما يقدمه برنامج القروض المضمونة لإغاثة الشعب الفرنسي: 364 مليار دولار، ثمة مشكلة متأصلة وطويلة الأمد متمثلة في عدم المساواة والبطالة. وبدلاً من التركيز في هذا الشأن، فإن الحكومة الفرنسية تتجول في الأرجاء لمجابهة خصم وهمي: اليساريون الإسلاميون. وتتبع الحكومة الهندية نفس المنهجية، لمواجهة التفكك الاجتماعي والمعاناة الاجتماعية التي عمقها الوباء، فتشن حرباً ضدّ المزارعين والمنصات الإعلامية الحسّاسة للقضايا التي يثيرها المزارعون.

تحتفظ كلتا هاتين الديمقراطيتين الرسميتين بدساتيرهما وقوانينهما وانتخاباتهما وجلساتهما العلنية- جميعها جزء من مجموعة الديمقراطيات الحديثة. وفي جميع الأحوال، فقد فشلت هذه الحكومات في الإنصات الفعلي لمعاناة الشعب، ناهيك عن المطالب الشعبية؛ وقد ظلت متغاضيةً عن احتمال الحظي بمستقبل أكثر ديمومة لمجتمعاتنا.

(..)

إن امتيازاتكم ليست كونية، ذلك أنها تحقق لكم-القلة- الجزء الأعظم من الثروة الاجتماعية؛ عندما يطرح أو يتبنى الناس آراءنا، تطلقون وابلا من الغاز المسيل للدموع والرصاص، تعتقدون أن قصر نظركم سيسمح لليلكم أن يدوم أبداً.

إننا نشيد بآمال وكفاح الشعوب، التواقة للتقدم، والتاريخ سيخترقُ قمعكم.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة