مدار: 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024
أعلنت نقابة الصحافيين الفلسطينيين أن الاحتلال قتل خلال عام من الإبادة الجماعية في قطاع غزة أكثر من ضعف الصحافيين الذين قتلوا خلال عام في العالم بأكمله، بحيث وصل عدد الشهداء من الصحافيين أزيد من 183، راحوا ضحايا تغطية الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال.
ولم يكن استهداف الصحافيين اعتباطيا، بل كانت للاحتلال خطة ورؤية حوله، لأنه في نظره إذا ما تمكن من منع المراسلين من تقديم تقارير مباشرة من الأرض فإن الصحافيين سينتهون إلى تغطية الأحداث من زاوية تتماشى بشكل أكبر مع مصالحه.
هذا الأمر يجعل إسرائيل تنجح في إخفاء مذبحتها في الفوضى والغموض، ما يخفف من رد الفعل التلقائي الذي تولده الإبادة الجماعية، وبذلك يكون المهتم بالوضع في غزة أمام تقارير على غرار “تقول حماس” أو “يدعي سكان غزة”؛ وبذلك يكون كل شيء معروضا في إطار روايات مختلفة متناقضة بدلاً من أن يتم تسليط الضوء عليه كحقائق ثابتة. وكنتيجة لذلك سيشعر الجمهور بالشك والارتباك والانفصال.
إن الوضع الذي وصل إليه الصحافيون من استهداف ممنهج لهم باغتيالهم أثناء تأدية مهامهم أو حتى من خلال استهداف مقرات العمل أصبح روتينا يوميا في الوقت الحالي، ومن أجل إضفاء نوع من التقبل لدى المتتبع أصبح يتم وصم منصات إعلامية بالإرهاب ليتم استهداف الصحافيين ولا يكون هناك رد فعل مفاجئ من الجمهور، وهو ما وقع في فلسطين ويتم حاليا في لبنان.
تغطية إعلامية غربية مقيتة
عند الاطلاع على التغطية الصحافية للوضع في غزة في بعض المنصات الإعلامية الغربية، التي تندرج ضمن ميثاق الصحافة نفسه الذي ينظم القطاع في مختلف بقاع العالم، نجد أنفسنا أمام تناقض سافر، ففي وقت يستشهد الصحافيون بالمئات لا نجد برامج تفاعلية مع ذلك، وفي وقت تعدى عدد الشهداء في غزة أزيد من 43 ألفا تستضيف قنوات غربية مجرمي حرب لتسليط الضوء على وضعهم النفسي بعد قتل الأطفال والتنكيل بهم.
في تقرير نشرته “CNN” تناول الصدمات النفسية التي تعرض لها جنود إسرائيليون بعد زيارتهم غزة ومشاركتهم في الإبادة الجماعية، موردة أن العديد منهم فكروا في الانتحار، ما يشير إلى أن ارتكاب الإبادة الجماعية قد يكون ضارًا بالصحة العقلية، كما يبدو. وفي الوقت نفسه تشرح “CNN” أن مقابلاتها “تقدم لمحة عن العبء النفسي الذي تضعه الحرب على المجتمع الإسرائيلي”.
في مقالها الطويل بعنوان “خرج من غزة لكن غزة لم تخرج من رأسه” كانت الفظائع التي اعترف الجنود بارتكابها ليست إلا خلفية، بينما استمرت القناة في إيجاد زاوية جديدة لتسليط الضوء على “معاناة الإسرائيليين”، التي تمثلت في أن الجنود الإسرائيليين هم الضحايا الحقيقيون، بينما يرتكبون إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني.
ومن ضمن ما جاء في المقال تعبير سائق الجرافة غاي زاكن عن أنه لا يستطيع النوم وأصبح نباتيًا بسبب “الأحداث الصعبة جدًا جدًا” التي رآها واضطر لتنفيذها في غزة، هذا في وقت كنا شاهدين كلنا على كيف كان هؤلاء ينكلون بجثث الفلسطينيين في شوارع غزة.
وعند سؤاله عما هي تلك الأحداث؟ قال زاكن في جلسة أمام البرلمان الإسرائيلي إن عمل وحدته كان يتمثل في المرور على جثث مئات الفلسطينيين، وبعضهم كان مازال على قيد الحياة. ليضيف سائق الجرافة أنه لا يستطيع تناول اللحم بعد الآن لأنه يذكره بالمشاهد الفظيعة التي شهدها من جرافته في غزة.
وكان الهدف من وراء هذا المقال الطويل أن يصدم القراء من انتحار الجنود الإسرائيليين، على أمل ألا يصدموا من الكشف عن أن هؤلاء الجنود يسحقون الفلسطينيين بانتظام، كما شرح زاكن قائلاً: “كان الدم يتناثر في كل مكان”.