مدار: 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024
بدأت الأهالي اللبنانية في العودة تدريجيا إلى الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت وإلى القرى والبلدات في لبنان، بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين “حزب الله” والكيان الصهيوني حيز التنفيذ بدءا من صباح اليوم.
وإذا كان الحزب فتح جبهة إسناد لغزة منذ الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر 2024، أي بعد يوم واحد من بدأ “طوفان الأقصى” الذي أطلقته المقاومة الفلسطينية، فإن الحرب الشاملة لم تندلع إلا قبل شهرين وثلاثة أيام من الآن، بعد أن تجاوز الكيان المحتل كل الخطوط الحمراء وكسر قواعد الإشتباك.
وبالرغم من الخسائر الكبيرة التي تكبدها حزب الله، خصوصا بعد تفجير أجهزة البيجر والاتصال اللاسلكي، واغتيال حسن نصر الله، والعديد من قيادات الصف الأول، غير أن هذا التشكيل السياسي المسلح استطاع أن يرمم بيته الداخلي بسرعة ويختار الشيخ نعيم القاسم أمينا عاما له، ويملأ جميع الفراغات التي أحدثتها الهجمات الإسرائيلية.
خولت هذه المرونة للحزب استعادة زمام المبادرة وخوض مواجهة قوية مع جحافل الغزاة في الجنوب، مكبدين جيش الاحتلال خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد.
طوال “معركة أولي البأس”، لم يتوقف قصف حزب الله للمستوطنات الصهيونية، والأهداف العسكرية ومراكز القيادة والسيطرة والثكنات، ووصلت صواريخه حتى تل تل أبيب، وترسخت معادلة حيفا مقابل بيروت.
وبغض النظر عن حالة الهلع الدائم التي أصابت الداخل الإسرائيلي، والدخول المتكرر لملايين الصهاينة إلى الملاجئ، فإن الخسائر السياسية والاقتصادية كانت أكبر من أن تتحملها دولة الفصل العنصري لمدة أطول.
صحيح أن الإسرائيليين كانوا متفوقين جويا وتكنولوجيا، وأنهم وجهوا ضربات تكتيكية موجعة للحزب، إلا أن الحمض النووي لحملتهم العسكرية طبعها النزوع المكشوف إلى ارتكاب جرائم الحرب في حق المدنيين اللبنانيين، من خلال استهداف النساء والأطفال والأحياء المدنية، والمرافق الصحية والدينية والثقافية المحمية بموجب القانون الدولي الإنساني.
صحيح أيضا أن المسؤولين الإسرائيليين هم في نظر القانون الدولي مجرمون: المحكمة الجنائية الدولية أصدرت في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أوامر باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن السابق يؤاف غالانت، بتهم ارتكاب العديد من الجرائم، بما فيها جرائم حرب والجرائم ضد الإنسانية كالقتل والاضطهاد والتجويع أداةً من أدوات الحرب وغيرها من الأعمال اللاإنسانية.
بعد أن اشتدت الحرب واكتشف الإسرائيلي أن المواجهة مع حزب الله “الثابت” ليست كما كان يتوقعها، وبأن الضربات التكتيكية لم تكن كافية لكسر شوكة اللبنانيين، سارع إلى الاستعانة بحليفته الأبرز، الولايات المتحدة التي حمل مبعوثها إلى لبنان عروض مفاوضات وصلت تحت النار إلى ما تم الوصول إليه بعد حرب 2006، أي القرار 1701.
حسب ما رشح، ينص الاتفاق الجديدة، والذي يدوم 60 يوما لإنهاء القتال، على وقف إطلاق النار ابتداء من اليوم، على أن يتوقف الكيان الغاصب عن “تنفيذ أي عمليات عسكرية ضد الأراضي اللبنانية، بما في ذلك استهداف المواقع المدنية والعسكرية، ومؤسسات الدولة اللبنانية، برا وبحرا وجوا”، في المقابل، يوقف حزب الله وحلفاؤه العمليات ضد الأهداف الإسرائيلية.
ضمن الاتفاق أيضا، ينسحب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان ضمن مهلة لا تتجاوز الستين يوما، كما يعود النازحون المدنيون إلى بيوتهم، وينسحب حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، وينتشر الجيش اللبناني في جنوبه بعدد يقارب 5000 جندي ويضم 33 موقعا على الحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة.. من بين بنود أخرى.
وإذا كانت الأيام المقبلة ستجيب عما إذا كان الإتفاق سيصمد أم لا، فإن ما تحدث عنه نتنياهو بـ “رسم شرق أوسط جديد” قد اصطدم بالحائط.
الإحتلال كان يهدف من وراء محاولة اجتياح الجنوب اللبناني هو إقامة ما يشبه “منطقة عازلة” في تلك المنطقة، وبتعبير آخر، احتلال المنطقة الممتدة من نهر الليطاني إلى الحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلا أن عزيمة المقاتلين واستماتتهم حالت دون ذلك.
في هذا السياق، قالت جريدة “الأخبار” اللبنانية إن “ما يجب تثبيته اليوم، بينما يعود النازحون من أهل المقاومة، إلى قراهم ومدنهم في الضاحية الجنوبية، والجنوب والبقاع ومختلف المناطق، ليدفنوا شهداءهم، ويعمّروا بيوتهم، ويرفعوا رايات النصر الذي يعبّر عنه وجودهم وتمسّكهم في قراهم التي دمّرها العدو، هو أن المقاومة التي صمدت طوال الحرب، رغم الضربات القاسية والعميقة، باقية ومستمرّة..”
بالنسبة للبنانيين الذين عادوا إلى الضاحية الجنوبية حاملين للأعلام، فإن “العدوّ لم يحقّق أهداف الحرب” توضح الصحيفة ذاتها.
بالتأكيد، سيحاول الصهاينة رسم صورة نصر مزيف للداخل وللعالم بعد حملات القصف المدمرة واستهداف الأبرياء، لكن تقييم هذه الجولة سابق لأوانه، في انتظار ما سيقوله حزب الله رسميا، وما ستكشف عنه الأيام.