معهد القارات الثلاث للبحوث الاجتماعية / مدار: 18 آذار/ مارس 2021
فيجاي براشاد
تجاوز المزارعون والعمال الزراعيون الهنود حد المائة يوم من احتجاجهم ضد حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي.. لن يتراجعوا حتى تلغي الحكومة القوانين التي توفر مزايا للشركات الكبرى. يقول المزارعون والعمال الزراعيون إن هذا صراع وجودي، والاستسلام يعادل الموت: حتى قبل إصدار هذه القوانين، أقدم أكثر من 315 ألف مزارع هندي على الانتحار منذ 1995 بسبب عبء الديون الملقى على كاهلهم.
خلال الشهر والنصف المقبلين، ستُعقد انتخابات المجلس في أربع ولايات هندية: اسام، كيرالا، تاميل نادو، بنغال الغربية، بالإضافة إلى الإقليم الاتحادي بودوتشيري. يعيش 225 مليون شخص في هذه الولايات الأربع، ما يجعل هذه المنطقة إذا تم قياسها لوحدها خامس أكبر بقعة في العالم بعد إندونيسيا. ولا يشكل حزب بهارتيا جاناتا الذي يترأسه رئيس الوزراء مودي منافساً جدياً في أي من هذه الولايات.
تشكل الجبهة الديمقراطية اليسارية في ولاية كيرالا (التي يبلغ عدد سكانها 35 مليون نسمة)، جزءًا من الحكومة منذ خمس سنوات، واجهت خلالها عدداً من الأزمات الخطيرة: آثار إعصار اوكي في 2017، وتفشي فيروس نيباه في 2018، والفيضانات في 2018 و2019، ومن ثم جائحة كوفيد-19. نتيجةً لذلك، حازت وزيرة صحة كيرالا، كيه كيه شايلاجي، لقب قاتلة فيروس كورونا بسبب المعالجة الشاملة والسريعة للدولة لكسر سلسلة الوباء. في وقت تشير كافة استطلاعات الرأي إلى أن اليسار سيرجع إلى الحكومة، كاسراً بذلك دور المعارضة في الحكومة منذ 1980.
فجاي براشاد يجري حديثا مع وزير مالية كيرالا توماس إسحاق حول الانتخابات التشريعية المقبلة في كيرالا، بواسطة بيبول ديسباتش
لفهم أفضل للمكاسب العظيمة التي حققتها حكومة الجبهة الديمقراطية اليسارية على مدى السنوات الخمس الماضية، تحدثنا إلى وزير المالية في ولاية كيرالا تي إم توماس إسحاق، وهو عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الهندي (الماركسي). استهل إسحاق حديثه بإخبارنا أن التبدل بين الجبهة اليسارية والجبهة اليمينية كما أسماها قد كلف ولاية كيرالا الكثير من التقدم الاجتماعي، وأضاف أنه في حال فاز اليسار مرةً أخرى فسيبقى في السلطة لعشر سنوات. إن هذه فترة طويلة بما يكفي لترك بصمة كبيرة جداً على عملية التنمية في كيرالا.
وأضاف إسحاق أن التوجه العام لنهج اليسار نحو تنمية كيرالا كان نوعا من “حجلة، خطوة، قفزة”:
الحجلة، وهي المرحلة الأولى التي عرفت سياسات إعادة التوزيع التي جعلت كيرالا محط أنظار. لقد نجحت الحركة النقابية لدينا في إعادة توزيع الدخل بشكل كبير. وتتمتع كيرالا بأعلى معدلات دخل في البلاد. كما تمكنت حركتنا الفلاحية من إعادة توزيع الأصول العقارية عبر برنامج ناجح للغاية لإصلاح الأراضي، وضغطت الحركات الاجتماعية التي سبقت حتى الحركة اليسارية في كيرالا، والتي واصل اليسار تقاليدها، على الحكومات المتعاقبة لتوفير التعليم والرعاية الصحية والاحتياجات الأساسية للجميع. لذلك يتمتع الشخص العادي في ولاية كيرالا بنوعية حياة أفضل بكثير من بقية الهند.
لكن هناك مشكلة في هذه العملية، إذ كان يتعين علينا إنفاق الكثير من المال على القطاع الاجتماعي، ما لم يخلف أموالا أو مصادر لبناء البنية التحتية. لذلك بعد برنامج التنمية الاجتماعية الذي امتد لأكثر من نصف قرن، كان هناك عجز خطير في البنية التحتية في ولاية كيرالا.
لقد كانت حكومتنا الحالية استثنائية للغاية في مواجهة الأزمات، والتأكد من عدم وجود انهيار اجتماعي، والتأكد من عدم تعرض أي شخص في كيرالا للجوع، وأن كل شخص سوف يحصل على العلاج خلال جائحة كورونا بشكل عاجل، ولكننا حققنا أمرا أكثر روعة.
ما فعلته الحكومة هو بناء البنية التحتية للدولة والبدء في الارتكاز على أساس اقتصادي آخر. كان المبلغ المطلوب لتحديث البني التحتية صاعقا، وهو نحو 60000 كرور روبية، أي ما يعادل 11 مليار دولار. كيف قامت حكومة يسارية بحشد الأموال لتمويل هذا النوع من تنمية البنية التحتية؟ لا يمكن لولاية كيرالا كولاية داخل الهند الاقتراض بما يتجاوز حداً معيناً، لذلك استحدثت الحكومة اليسارية أدوات أخرى مثل مجلس صندوق الاستثمار في البنية التحتية لولاية كيرالا، الذي استطاعت الحكومة عبره إنفاق 10000 كرور روبية أو ما يعادل 1.85 مليار دولار، “وحققت تغييراً ملحوظاً في البنية التحتية”. بعد الحجلة (إعادة التوزيع) والتنمية في البني التحتية (الخطوة) جاءت القفزة:
القفزة هي البرنامج الذي وضعناه أمام الناس، بعد أن أصبحت البنية التحتية متوفرة، مثل خطوط النقل والكهرباء المضمونة والمجمعات الصناعية للمستثمرين ليأتوا ويستثمروا. سوف نتوفر على شبكة ألياف بصرية، وطريق سريع للغاية للإنترنت تملكه الدولة ومتاح لأي مزود خدمة. يضمن ذلك معاملة متساوية للجميع، ولن يتمتع أحد بمزايا غير ضرورية. كذلك سنقوم بتوفير الإنترنت للجميع. إنه حق لكل فرد. سيحصل جميع الفقراء على اتصال بالإنترنت واسع النطاق بالمجان.
وفر كل ذلك أرضية لنا لاتخاذ القفزة الكبيرة التالية. نريد الآن تغيير القاعدة الاقتصادية لاقتصادنا. تقوم قاعدتنا الاقتصادية على المحاصيل التجارية، التي تمر بأزمة جدية بسبب الانفتاح على التجارة الحرة أو الصناعات كثيفة العمالة أو الصناعات الكيماوية شديدة التلوث، وما إلى ذلك. وعليه، ندرك الآن أن الصناعات التي تعتبر من اختصاصنا ستكون صناعات المعرفة، والصناعات الخدمية والصناعات القائمة على المهارات وغيرها. والآن كيف يمكنكم إجراء هذا التحول من النموذج الاقتصادي التقليدي إلى النموذج الجديد؟.
ما هي الفرص الاقتصادية الجديدة لولاية كيرالا؟ أولاً، وبسبب التحول نحو الاقتصاد الرقمي، سوف تطور كيرالا صناعة تكنولوجيا المعلومات الخاصة بها، مستفيدة من المميزات الهائلة لارتفاع معدلات القراءة والكتابة في الولاية، بالإضافة إلى الاتصال بالإنترنت الممول بالكامل من الدولة، والذي سيكون متوفراً لكافة السكان قريباً. وأضاف إسحاق: “سيكون لهذا تأثير مهم على توظيف النساء. ثانياً، ستعيد حكومة كيرالا اليسارية هيكلة التعليم العالي من أجل تعزيز الابتكار وتعميق تاريخ كيرالا في الإنتاج التعاوني (المثال هنا الجمعية التعاونية لعقد العمل الأورالونغال، التي أعادت مؤخراً بناء جسر قديم في خمسة أشهر، أي قبل سبعة أشهر من الموعد المحدد).
تهدف كيرالا إلى تجاوز نموذج غوجارات (حيث معدلات النمو عالية للشركات الرأسمالية، ولكن الضمان الاجتماعي والرفاهية منخفضين للناس) ونموذج اوتار براديش (حيث لا نمو مرتفع ولا رفاهية)، والنموذج الذي يوفر رفاهية عالية ولكن بنمو اقتصادي منخفض. إن مشروع كيرالا الجديد سيحقق النمو والرفاهية العالية في الآن نفسه. يقول إسحاق: “نريد أن نخلق في ولاية كيرالا [الأساس] لكرامة الفرد في الحياة والأمن والرخاء”، الذي يتطلب كل من الصناعة والرفاهية، ويضيف مذكّراً: “نحن لسنا دولة اشتراكية، نحن جزء من الرأسمالية الهندية. لكن في هذا الجزء وضمن القيود المفروضة، سنقوم بتصميم مجتمع يلهم جميع أصحاب الفكر التقدمي في الهند. نعم إنه لمن الممكن بناء شيء مختلف. هذه هي فكرة كيرالا”.
يتمثل العنصر الأساسي في نموذج كيرالا في الحركات الاجتماعية القوية التي تسيطر على الدولة، من بينها الجبهة الجماهيرية للحركة الشيوعية التي يبلغ عمرها مائة عام وجمعية النساء الديمقراطيات لعموم الهند، التي تشكلت قبل أربعين عاماً عام 1981 وتضم أكثر من عشرة ملايين امرأة. إحدى مؤسِسات الجمعية هي كاناك موخيرجي (1921-2005). انضمت كاناكدي (كما كانت تُدعى) إلى حركة الحرية عند عمر العشر سنوات ومذاك الحين لم تتوقف أبدا عن النضال من أجل تحرير عالمنا من سلاسل الاستعمار والرأسمالية. التحقت كاناكادي في 1938 (وكان عمرها سبعة عشر عاماً) بالحزب الشيوعي الهندي، مستخدمة مواهبها المتعددة في تنظيم الطلاب والعمال الصناعيين. وساعدت في 1942 كجزء من النضال ضد الفاشية بتأسيس لجنة الدفاع عن النفس النسائية، التي لعبت دوراً رئيسياً في مساعدة أولئك الذين حطمتهم مجاعة البنغال في 1943- المجاعة التي سببتها السياسة الإمبريالية، والتي تسببت في مقتل أكثر من 3 ملايين إنسان. و عمقت هذه التجارب من التزام كاناكدي نحو النضال الشيوعي، والتي كرست له بقية حياتها.
من أجل تكريم هذه المناضلة الشيوعية الرائدة، خصص معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي دراسته النسوية الثانية (نساء النضال، نساء في النضال) عن حياتها وعملها. وقد نشرت مؤخراً البروفيسور اليزابيث ارمسترونغ، التي كانت مساهمة أساسية في هذه الدراسة، كتاباً حول جمعية النساء الديمقراطيات لعموم الهند، الذي صدرت نسخته الورقية الآن عن LeftWord Books.
تستمر اليوم منظمات كجمعية النساء الديمقراطيات في الهند برفع الثقة والقوة لدى نساء الطبقة العاملة والفلاحات، واللواتي كان دورهن مميزاً في كيرالا وفي ثورة المزراعين، كما في جميع نضالات العالم..إنهن لا يتحدثن فقط عن معاناتهن، بل أيضاً عن تطلعاتهن وأحلامهن العظيمة في مجتمع اشتراكي – الأحلام التي يجب أن تُبنى جنباً إلى جنب مع أدوات أخرى مثل حكومة الجبهة الديمقراطية اليسارية في ولاية كيرالا