بيبلز ديسباتش + مدار: 16 تشرين الثاني/ نونبر 2021
تحدث الدبلوماسي محمد حسن، في حوار أجراه مع بافان كولكارني، عن أن التحالف الذي يتم الحديث عنه، والمؤلف من تسع مجموعات عرقية، وتم تشكيله في العاصمة واشنطن قصد محاربة الحكومة الإثيوبية، هو مجرد عملية نفسية ولا وجود له على أرض الواقع.
وشهدت الحرب الدائرة شمال إثيوبيا، التي تجاوزت العام الأسبوع الماضي، مقتل عشرات الآلاف وتشريد وتجويع الملايين. وكانت الشرارة التي طرقت طبول الحرب الهجوم الذي شنته جبهة تحرير شعب تيغراي على قاعدة عسكرية لقوات الدفاع الإثيوبية في نونبر/ تشرين الثاني 2020.
وفقا للدبلوماسي الإثيوبي محمد حسن فإن المؤسسة الأمنية الأمريكية للرئيس المنتخب حديثا جو بايدن هي التي نصحت جبهة تحرير شعب تيغراي بشن هذا الهجوم.
كما أورد الدبلوماسي السابق والمستشار الحالي لرئيس الدولة في المناطق الإقليمية الصومالية في إثيوبيا، لبيبل ديسباتش، في مقابلة هاتفية، أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هما القوتان الدافعتان وراء الحرب التي تشنها جبهة تحرير شعب تيغراي، والتي تهدف حسبه إلى إسقاط حكومة أبي أحمد.
وصل أحمد إلى السلطة في 2018 بعد الأحداث التي شهدتها البلاد، حين قامت جبهة تحرير شعب تيغراي، التي حكمت إثيوبيا منذ 1990، بقمع احتجاجات جماهيرية مؤيدة للديمقراطية. وبعد فترة قصيرة من وصول أبي أحمد إلى السلطة، قام بإطلاق السجناء السياسيين ورحب بعودة المنفيين السياسيين، كما رفع الحظر الذي كان مفروضا على حرية الصحافة والأحزاب السياسية التي تعتبر خارج الائتلاف الحاكم، الذي كانت تهيمن عليه جبهة تحرير شعب تيغراي.
وامتدت إصلاحات أحمد لتشمل أيضا السياسات الخارجية، إذ قام بتوقيع اتفاق سلام مع إريتريا لينهي بذلك الصراع الذي استمر لعقود بين البلدين الجارين، وهو الأمر الذي خول له الحصول على جائزة نوبل للسلام، بعد ذلك قام بتوقيع اتفاق ثلاثي يشمل إثيوبيا وإريتريا والصومال حول إيجاد حل للنزاع الثلاثي، ما أدخل العلاقات بين البلدان الثلاثة إلى مرحلة جديدة تقوم على التعاون؛ وهو الأمر الذي اعتبره محمد حسن لا يحظى بتقدير الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مرجعا ذلك إلى أنه في حالة حل الصراع بين الدول والشعوب الإفريقية فإن ذلك سيضعف القيادة الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، وقد يؤدي ذلك إلى انهيارها، واصفا إياها بـ”الناتو الإفريقي”.
وحسب حسن فإنه في وقت حصلت التطورات لم تكن إدارة ترامب، التي كانت في السلطة، مهتمة بشدة بهذه المنطقة، لكن عودة السياسة الخارجية القديمة في البيت الأبيض بانتخاب جو بايدن قلبت الأمور رأسا على عقب.
ويجادل المتحدث ذاته بأن الولايات المتحدة تستخدم منذ ذلك جبهة تحرير شعب تيغراي – التي كانت تعتمد على الدعم الأمريكي طوال عقود من الحكم الاستبدادي – لإسقاط الحكومة الإثيوبية وتدمير الاتفاقية الثلاثية؛ وعلى الرغم من كل ذلك يؤكد أن الجبهة في طريقها إلى خسارة الحرب، كما أنها أقدمت على الانتحار حينما استعانت بالاستشارة الأمريكية.
وشهدت البلاد توسع القتال من تيغراي ليشمل ولايتي أمهرة وعفر الإقليميتين المجاورتين، إذ وصلت قوات الجبهة إلى مشارف العاصمة أديس أبابا بحوالي 300 كيلومتر. وحسب القوات الرسمية فقد أقدمت على القتل والاغتصاب والنهب على طول المسارات التي سلكتها.
ومع ذلك يؤكد حسن أن الجبهة غير قادرة على المضي أكثر من ذلك، لأنها ابتعدت كثيرا عن قاعدتها في تيغراي، مضيفا أنها في الوقت الحالي محاصرة في مقاطعة وولو من قبل ميلشيات أمهرة وعفر وقوات الدفاع الوطنية الإثيوبية؛ ويقول إن خط المواجهة الحالي يميل لصالح القوات الحكومية.
وفي ما يلي مقتطف من المقابلة:
بافان كولكارني: تشير التقارير إلى أن جبهة تحرير شعب تيغراي أحرزت تقدما كبيرا وأصبحت تهدد بالاقتراب من العاصمة. ما هي قراءتك للوضع في إثيوبيا؟.
محمد حسن: الوضع في إثيوبيا ليس كما يتم تصويره في وسائل الإعلام، لاسيما أنها تستعمل الحرب النفسية ضد الشعب وحكومة آبي أحمد، لكن قوات جبهة تحرير شعب تيغراي في الواقع أصبحت في الوقت الحالي في وضع صعب للغاية؛ لقد زحفت لأكثر من 300 كيلومتر من قاعدتها، وهي الآن غير قادرة على الاستمرار لأنها أصبحت محاصرة، خصوصا أنها فقدت العديد من المناطق التي كانت قد استولت عليها. أعتقد أن مقاطعة وولو (عند تقاطع ولايات أمهرة وعفر وتيغراي) ستكون شاهدة على هلاكهم.
ولا يمكنهم الفوز، فهم عبارة عن قوة غزو خرقاء، خصوصا أنهم لا يقومون بحشد الناس وليس لديهم أي مشروع مجتمعي؛ أينما حلوا ينخرطون في أعمال القتل والنهب والاغتصاب، إنهم مكروهون من قبل العامة.
بافان كولكارني: هل هناك أي معلومات واضحة عن خط المواجهة؟.
محمد حسن: يقع خط المواجهة في الوقت الحالي في أمهرة، على بعد حوالي 300 كيلومتر من أديس أبابا، ويميل لصالح الحكومة. حاولوا في وقت سابق فتح جبهة أخرى في عفر لكنهم لم ينجحوا في ذلك، كما تمت استعادة العديد من المناطق التي كانوا قد استولوا عليها في ما قبل.
بافان كولكارني: ذكرت وسائل الإعلام أن جبهة تحرير شعب تيغراي سيطرت على ديسي، في حين أعلنت الجبهة عن استيلائها على كومبولشا.
محمد حسن: في ديسي، هناك قتال جار بين السكان المحليين والمليشيات والجيش ضد قوات الجبهة، وليست هناك سيطرة مطلقة على المدينة، بل على العكس من كل الأخبار فالجبهة تخسر هناك، وهي على الهامش الآن. وفي ما يخص كومبولشا فالمعركة مازالت مستمرة، لكن وسائل الإعلام الغربية تقدم تقاريرها بالطريقة التي تلائمها، لأن هذه حرب قوى خارجية. ولا تهتم الولايات المتحدة وأوروبا بتيغراي، لكنهم يستخدمان جبهة تحرير شعب تيغراي من أجل ممارسة الضغط على الحكومة.
بافان كولكارني: ما الذي تريده الولايات المتحدة وأوروبا من الحكومة من خلال فرضها هذا الضغط؟.
محمد حسن: لم يعد الهدف مركزا على الاستفادة من الحكومة، بل انتقل إلى الإطاحة بها، لأنهم لم يعجبهم الاتفاق الثلاثي الذي تم توقيعه عام 2018 في أسمرة (عاصمة الصومال) بين الصومال وإريتريا وإثيوبيا، والذي أعلن من خلاله طي صفحة الصراع بين البلدان الثلاثة، وأنها ستبدأ مشروعا جديدا للتعاون يسمى مشروع القرن الإفريقي. لقد رأت الولايات المتحدة وأوروبا في حل العداء بين الدول الثلاثة مثالا سيئا للغاية، لأنه من الممكن على المدى الطويل أن يضعف حلف شمال الأطلسي في إفريقيا المتمثل في القيادة الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم). هذه مشكلة بالنسبة لبروكسل وواشنطن.
بافان كولكارني: قبيل الاتفاقية الثلاثية، تم توقيع اتفاقية سلام بين إثيوبيا وإريتريا لإنهاء الصراع الذي استمر لعقود. لكن وبالنظر إلى العداء التاريخي الذي يحكم علاقة جبهة تحرير شعب تيغراي مع إريتريا ومعارضتها لاتفاقية السلام، أليس من المحتمل أن تنهار الاتفاقية إذا ما خرجت متفوقة في الحرب الحالية؟.
محمد حسن: نعم، بالفعل ستكون اتفاقية السلام مهددة بالانهيار، كما أنهم سيحاولون عزل إريتريا مرة أخرى وقد يرغبون حتى في مهاجمة البلاد، لكن لم يعودوا يمتلكون القوة لفعل ذلك الآن. تعاني الجبهة في الوقت الحالي من ضعف إمكانيات القتال، لكنها كلما تضاءلت قواتها إلا واتجهت نحو بعض الدول الإفريقية لتشكيل تحالفات تحت اسم السلام الإفريقي، مستخدمة في ذلك الدمى الغربية في القارة، بما في ذلك الرئيس السابق لنيجريا، أولوسيغون أوباسانجو (الممثل الأعلى للاتحاد الأفريقي في القرن الأفريقي حاليا). إنهم يريدون إسقاط حكومة آبي احمد باسم محادثات السلام.
بافان كولكارني: عودة إلى بداية الحرب التي اندلعت في 4 نونبر/ تشرين الثاني 2020، فقد سارع وزير خارجية الولايات المتحدة آنذاك، مايك بومبيو، إلى إدانة جبهة تحرير شعب تيغراي نظير شنها هجمات على قوات الدفاع الإثيوبية في تيغراي، حتى إنه دان محاولتها تدويل النزاع. بدت الولايات المتحدة داعمة لحكومة آبي، ما الذي غير سياستها تجاه إثيوبيا؟.
محمد حسن: الفرق هو أن حكومة ترامب كانت شيئا ما غير مبالية بما يحدث، لكن الديمقراطيين عكس ذلك، بالنظر إلى التاريخ الذي يربطهم بالجبهة (منذ التسعينيات عندما وصلت إلى السلطة وحكم إثيوبيا حتى عام 2018). كما أن الجبهة كانت تنفق أموالا طائلة في علاقتها بالسياسيين، فعلى سبيل المثال لطالما كانت العلاقة مع كل من سوزان رايس وكلينتون وأوباما والآن مع بايدن تشوبها العديد من مظاهر الفساد (المالي بالأخص). لقد كان الديمقراطيون شريان الحياة للجبهة، على أمل محاربة إريتريا وفكرة إريتريا في المنطقة.
توصلنا بمعلومات مفادها أنه في 3 نونبر/ تشرين الثاني 2020، قدم الديمقراطيون ضمانات للجبهة في حالة ما قامت بقصف القوات الإثيوبية في ميكيلي (عاصمة تيغراي)، بالنظر إلى معرفتهم المسبقة بنسب نجاحهم في الانتخابات. كان يأمل الطرف الأمريكي أن تتمكن الجبهة من الاستيلاء على 80% من أسلحة الجيش المخزنة هناك من أجل التقدم نحو العاصمة والإطاحة بالحكومة الحالية، لكن لم ينجح ذلك ودخلنا في دوامة الحرب.
بافان كولكارني: إذا ما تقوله هو أن المؤسسة الأمنية الخاصة بإدارة بايدن وقفت خلف جبهة تحرير شعب تيغراي ونصحت بمهاجمة قاعدة الجيش الإثيوبي، مع العلم أنها ستكون في البيت الأبيض بعد ذلك في غضون شهرين. هذه اتهامات قوية، هل يمكنك إثبات ذلك؟.
محمد حسن: بالطبع لن يعترفوا بذلك علنيا، لكننا متأكدون من أن الجبهة لم تكن قادرة على إدارة هذا النوع من العمليات، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 9000 جندي وضابط إثيوبي، والاستيلاء على الأسلحة، ما لم تكن لديها تأكيدات وطمأنة من الخارج. لم يكن لدى الجبهة في أي وقت من الأوقات مشروع لعموم إثيوبيا، فكل همهم كان منصبا على تيغراي الكبرى من أجل الانفصال عن إثيوبيا، لذلك لم تكن لتفعل ذلك لو لم تقدم بعض القوى الخارجية نصائح ودعم. هذا ما فهمته، خصوصا أني أمضيت 30 عاما في دراسة الجبهة وسلوكها.
أعتقد أن الديمقراطيين قبل وصولهم إلى الحكم قدموا طمأنة حول غطاء دبلوماسي؛ لقد اعتقدوا أنه كان الوقت المناسب، لاسيما أن الأمر استغرق حوالي الشهرين قبل وصول الرئيس الجديد للبيت الأبيض، كما أنهم افترضوا أن جبهة تحرير شعب تيغراي يمكن أن تنهي المهمة في غضون شهرين. لكن الجبهة بتورطها في الحرب كتبت نهايتها بنفسها.
بافان كولكارني: تمت مؤخرا في واشنطن مراسيم توقيع اتفاق لإطلاق ما سميت الجبهة المتحدة للقوات الفيدرالية والكونفدرالية الإثيوبية، ويقال إن هذا التحالف مناهض للحكومة، ويضم تسع مجموعات مختلفة تمثل مناطق عرقية مختلفة في إثيوبيا. بصرف النظر عن جبهة تحرير أورومو، هل تتمتع أي من المنظمات الأخرى بقوة سياسية أو عسكرية؟.
محمد حسن: أولا وقبل أي شيء الأشخاص التسعة الذين تم إحضارهم لحفل التوقيع لا يعرفهم أحد، وقد جاؤوا من العدم، فهذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها هذه الأسماء. لقد تم جلب تسعة أشخاص لا صفة لديهم وتم وضعهم في قاعة ووفرت لهم التغطية الصحافية. كان الاحتفال مجرد عملية نفسية للضغط على الحكومة الإثيوبية، فهذا التحالف مجرد حبر على ورق لا وجود له على أرض الواقع.
بافان كولكارني: هل تقول إن أحدا لم يسمع بالأفراد التسعة الذين تم تقديمهم كممثلين لجماعات، أم إنك تعني أن أسماء الجماعات نفسها لم يسمع بها أحد؟ أنت من منطقة الصومال، ألم تسمع من قبل عن مقاومة الدولة الصومالية؟.
محمد حسن: المرة الأولى التي سمعت بها كانت في هذا الحفل.
بافان كولكارني: ما هو الوضع الحالي في العاصمة؟ قامت الحكومة بدعوة السكان لتنظيم الدفاع عن الأحياء، كما أفادت اللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان عن اعتقالات جماعية لأتباع تيغراي في أديس أبابا. يبدو أن هناك حالة من الذعر، أليس كذلك؟.
محمد حسين: كما ترون، لم يتم الاستيلاء على ديسي بشكل أساسي من قبل مقاتلي جبهة تحرير شعب تيغراي، ولكن من قبل 30000 فرد من عرقية تيغراي يقيمون في المدينة؛ لقد قاموا بتكديس الأسلحة ثم بدؤوا في مهاجمة الجيش من خلف خط المواجهة، واستولوا على المدينة بدعم من مقاتلي الجبهة. واتخذت الحكومة إجراءات لضمان عدم حدوث مثل هذا الشيء في أديس أبابا، وقد تم إثر ذلك إعلان حالة الطوارئ واعتقل الكثيرون. لقد تم العثور على أسلحة مخبأة وأموال وبطاقات هوية مزورة وما إلى ذلك.
لا أعتقد أن جبهة تحرير شعب تيغراي يمكن أن تحكم البلاد بعد الآن، لكن لديها القدرة على التسبب في الفوضى وإثارة الذعر. أكبر مؤيديهم في القيام بذلك هي السفارات الغربية وبعض السفارات الأفريقية أيضا، مثل سفارة زامبيا، التي تنقل دبلوماسييها من أديس أبابا. هذا كله لفرض الضغط. هذه حرب، لا تقودها جبهة تحرير شعب تيغراي، بل تقودها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضد الحكومة في إثيوبيا.
إذا لم يتمكنوا من السيطرة على بلد ما، فهم يعملون على كسره وخلق الكراهية والانقسام بين شعبه، لكنني لا أعتقد أن خطتهم ستنجح. الشعب الإثيوبي متحد في الوقت الحالي، وسوف يعكس هذا الهجوم المدعوم من قوى خارجية.