قيس سعيّد يمدّد لنفسه… تونس تستعد لرئاسيات محسومة سلفا

مشاركة المقال

مدار: 04 تشرين الأول/ أكتوبر 2024

دعي 10 ملايين تونسي للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية المقررة يوم السادس من تشرين الأول/ أكتوبر 2024، في استحقاقات سياسية يسودها التشاؤم والتذمر الشعبي مما آلت إليه الأوضاع الاجتماعية والحقوقية.

وعلى عكس الأجواء التي سادت في رئاسيات 2019 يبدو الشارع التونسي خاليا من الحيوية السياسية والتجمعات الانتخابية الكبيرة في المدن الرئيسية في البلاد، بينما يكاد يتفق الجميع على أن الرئيس المنتهية ولايته، قيس سعيّد، هو الأكثر ترجيحا للاحتفاظ بكرسيه.

خلال السنوات الخمس التي قضاها الجالس في قصر قرطاج “تحولت البلاد إلى مقبرة يسكنها الخوف”، يقول لـ “مدار” جيلالي الهمامي، النائب البرلماني السابق والقيادي في حزب العمال.

منح الناخبون التونسيون أصواتهم لقيس سعيد في رئاسيات 2019، بعد أن سوّق لنفسه كرجل “نزيه” يرى زمن الأحزاب “أفلس وانتهى”، متغلبا على التشكيلات السياسية المهيمنة على المشهد منذ “ثورة الياسمين” التي شبّت في 2010، وأسقطت رأس النظام القديم لزين العابدين بن علي، حاملة معها آمالا بالديمقراطية واحترام الحقوق والحريات.

“ينبغي أن نسمي الأشياء بأسمائها”، يوضح جيلالي الهمامي، فبالنسبة له قيس سعيد “ليس إلا واحدا من عناصر الثورة المضادة”، وقد نجح في الوصول إلى السلطة بـ”الاعتماد على خطاب مضلل وكاذب”.

ويفسر مصدرنا هذا النجاح بأنه “في ذلك الوقت كانت بقية أجنحة الثورة المضادة الماسكة بالحكم (تحالف النهضة وحزب النداء ومشتقاتهما) تعاني من حالة الاهتراء التي لحقت بها جراء فشلها في إدارة شؤون البلاد ما بعد الثورة”، وفق تعبيره.

وفور وصوله إلى السلطة باشر سعيّد سلسلة إجراءات لتفكيك معالم النظام السياسي الذي أفرزته توازنات ما بعد الثورة، قادته إلى حلّ الحكومة والبرلمان، كما أجرى استفتاء على دستور جديد سنة 2022 كتبه بنفسه ويمنحه مجالا واسعا من السلطات، قبل أن يقوم بحل المجلس الأعلى للقضاء.

المثير أن الرئيس التونسي أقر من خلال “الماغنا كارتا” الخاصة به نظاما رئاسيا لا يقوم على تحديد السلطات بل الوظائف، وبالنسبة له فإن البرلمان والقضاء لا يتمتعان بالسلطة، بل يؤديان وظيفة.

يحاجج قيس سعيد وأنصاره بأن الإجراءات التي اتخذها في المجمل تهدف إلى حماية الدولة ومواجهة الفساد، لكن معارضيه يستشعرون في ذلك ظل الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، الذي اتسمت فترة حكمه بالاستبداد والقمع الشديد.

مزاج عبّر عنه الباحث هيثم القاسمي في أحد الصحف الباريسية، معتبرا أن قيس سعيّد “دكتاتور جديد، بن علي جديد”.

ويدخل الرئيس المنتهية ولايته سباقا انتخابيا يتبدّى أنه محسوم مسبقا، فمن أصل 17 شخصية تقدمت بملفاتها للنزال لم تتم الموافقة سوى على ملفات مرشّحَين إضافيين، بينما وجد الآخرون أنفسهم إما مستبعدين أو داخل السجن.

المرشح الأول هو زهير المغزاوي، وهو نائب سابق في البرلمان، يصفه المراقبون بـ”الشخصية السياسية الثانوية”، ولا يمثل حسبهم ندّا لقيس سعيّد بل مؤيدا له منذ البداية.

أما الشخصية الأخرى فهي العياشي زمال، وهو ناشط سياسي ذو خلفيات ليبرالية، اعتقلته السلطات التونسية في اليوم الذي تقدّم فيه بترشحه بداية الشهر الماضي، وحكم عليه بالسجن 14 عاما بتهمة “تزوير” توقيعات التزكيات الانتخابية، غير أن وضعيته القانونية لا تمنعه من خوض السباق الانتخابي.

وفي هذا المضمار لم تخف الرابطة التونسية للدفاع حقوق الإنسان، وهي منظمة حقوقية مستقلة ذات مصداقية عالية، قلقها من تهاوي واقع الحريات في البلاد، مستنكرة ما وصفته بـ “توظيف أجهزة الدولة في سياق الانتخابات الرئاسية قصد استبعاد المنافسين، من ذلك ما قامت به هيئة الانتخابات من رفض للامتثال لقرارات المحكمة الإدارية”.

وكان القضاء الإداري التونسي أمر بإعادة ثلاثة مرشحين إلى الانتخابات الرئاسية لأسباب “إجرائية”، بعد أن تم استبعادهم سابقا، غير أن “الهيئة العليا المستقلة للانتخابات” -المعينة من طرف الرئيس- رفضت بداية سبتمبر/ أيلول الامتثال للحكم.

وعقب ذلك، وحتى بعد انطلاق الحملة الانتخابية بأسبوع، أقر البرلمان التونسي، على عجل، تعديلا على قانون الانتخابات، يجرّد المحكمة الإدارية من السلطة على الانتخابات وينقلها إلى محكمة الاستئناف، التي ستتولى بموجب ذلك مراقبة الانتخابات والبت في الطعون والنزاعات المرتبطة بها.

 سياقات دفعت العديد من القوى التونسية إلى التحرك بسرعة لتوحيد صفوفها، فأسست في الرابع من ديسمبر/ أيلول “الشبكة التونسية للدفاع عن الحقوق والحريات”، وتضم 10 منظمات وجمعيات إلى جانب 9 أحزاب سياسية، ردا على ما وصفه أحد المشاركين في إطلاقها بـ “التضييق” على المترشحين وحتى الناخبين، والمطالبة باحترام “حق الجميع في حرية التعبير وإبداء الرأي في الشأن الوطني”.

وتَعتبر الشبكة، حسب ما جاء في بيان تأسيسها، أن رئيس الجمهورية “استغل الصلاحيات الواسعة التي منحها لنفسه من خلال دستور 2022” من أجل “نسف حرية التعبير”، و”السيطرة على القضاء”، و”بث خطاب سياسي عنيف حمل شحنة من الإقصاء والعنصرية”، منتقدة اتهام قيس سعيّد معارضيه بـ”الخيانة والعمالة والارتماء في أحضان الخارج”.

خلال تظاهرات نظمتها الهيئة نفسها رفع المحتجون الغاضبون شعارات رافضة لتعديل قانون الانتخابات بعد أسبوع من انطلاق الحملة الانتخابية، واصفين ذلك بـ “العبث بحق التونسيين في الاختيار”.

توازيا مع ذلك تقول الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان إن الصحافيين و المعارضين والمواطنين يتعرضون لـ”الترهيب” عبر “الإيقافات التعسفية والملاحقات القضائية”، مجددة تسليط الضوء على “التدهور غير المسبوق للمقدرة الشرائية لعموم التونسيين”، و”تواتر شح المواد الأساسية، وتردي الخدمات الاجتماعية وارتفاع نسبة البطالة”.

وتربط المنظمة الحقوقية نفسها بين هذه العوامل و”ارتفاع نسب الجريمة والاكتئاب واستهلاك المخدرات”، منتقدة غياب “سياسات عمومية ناجعة”، وتبرير ذلك بالاستناد إلى “نظرية المؤامرة”.

ويسود انطباع عام لدى تونسيين بأن جل الإجراءات المتخذة قبيل الانتخابات لا تخرج عن إطار تجديد قيس سعيّد لنفسه في استحقاقات “محسومة سلفا”.

الصورة القاتمة المحيطة بالوضع التونسي يؤكدها صندوق النقد الدولي كذلك، الذي اعتبر في بيان صدر في مايو/ أيار 2024، أن “معدل النمو في البلاد دون مستويات ما قبل جائحة كورونا”، واصفا هذه المستويات بأنها “واحدة من أبطأ معدلات التعافي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.

وتبين أرقام المعهد الوطني للإحصاء في تونس (رسمي) أن نسبة البطالة بلغت في الربع الثاني من السنة الجارية 16 في المائة، وهو ما يعكس حالة التذمر الكبيرة لدى الشباب، وهم الأكثر معاناة مع غياب فرص الشغل، وباتت نسب عالية منهم تفكر في مغادرة البلاد بغض النظر عما إذا كان بشكل نظامي أم لا. وقد أظهر استطلاع حديث للبارومتر العربي أن 46 في المائة من التونسيين يفكرون في الهجرة، 71 في المائة منهم تتراوح أعمارهم بين 18 و29 سنة.

لم يعد يرى الكثير من التونسيين في العمليات الانتخابية جدوى في تطوير حياتهم، خصوصا في مستواها الاجتماعي المثقل بالأزمات الاقتصادية المتراكمة طيلة الولاية الرئاسية الماضية، وهكذا بات الإقبال على صناديق الاقتراع شحيحا.

خلال الاستفتاء على دستور 2022 لم تتجاوز نسبة المشاركة 30.5 بالمائة من الناخبين المسجلين، بينما تهاوت هذه النسبة إلى 11.3 خلال الاستحقاقات التشريعية مطلع العام الجاري. أما في الدور الثاني لانتخابات المجالس المحلية المنظم سنة 2023 فبلغت نسبة التصويت 12.44 في المائة.

وسط هذا المناخ السياسي والاجتماعي يصر القيادي في حزب العمال جيلالي الهمامي على أن “موقف المقاطعة هو الموقف السليم، ليس في نظرنا نحن فقط بل في نظر دائرة ما تنفك تتسع كل يوم أكثر”، وزاد: “يمكن القول إن يوم الانتخابات سيكون قيس سعيد وأتباعه في كفة، وبقية كل القوى السياسية من جميع المشارب تقريبا في كفة أخرى”.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة