فلسطين لا تحتمل الانتظار

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

غلوب تروتر + مدار: 20 آب/ أغسطس 2025

غييرمو ر. باريتو*

لم تنتهِ الحرب العالمية الثانية بتسليم جزء من ألمانيا للنازيين. لن ينتهي الصراع بتسليم جزء من فلسطين للصهيونية.

حيدر عيد أستاذ فلسطيني كان يدرّس الأدب ما بعد الكولونيالي وما بعد الحداثي في جامعة الأقصى بغزة. لم تعد تلك الجامعة قائمة، بعد أن دمّرتها الصواريخ التي خطط وأشرف على إطلاقها الصهاينة. صدر مؤخرا كتابه “تفكيك العقل الفلسطيني” بالإسبانية عن دار نشر “لا تروتشا” في سانتياغو، تشيلي. 

التقيتُ بحيدر في وقت سابق من هذا العام. دُمر منزله بالكامل، وقد يُقال بسخرية إنه كان محظوظاً لأنه تلقى تحذيراً من المجرمين الذين منحوه خمس دقائق لإخلائه.

لم يكن الجميع “محظوظين” بهذا القدر. منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، قُتل 60,038 شخصاً، منهم 18,592 دون سن الثامنة عشرة. قد تكون هذه الأرقام أقل من الواقع إذا راجعنا التقييمات الواردة في مجلة “ذا لانسيت“، والتي قدرت في حزيران/ يونيو 2024 عدد القتلى بالفعل بـ 37,336، يضاف إليهم 14,400 مفقود وما يسمى بالوفيات غير المباشرة، أي الوفيات الناجمة عن المجاعة، والتي ارتفعت بشكل مقلق في الشهر الماضي. 

لقد دمر العدوان الذي تشنه دولة إسرائيل في قطاع غزة أكثر من 70% من المنازل، وتسبب في تهجير غالبية سكان القطاع، البالغ عددهم نحو 2.3 مليون نسمة.

تم توجيه هذا العدوان بشكل علني وانتقائي ضد السكان المدنيين، حيث هاجم ودمر المدارس والجامعات والمساجد والكنائس والمستشفيات والملاجئ، وحتى إطلاق النار على الناس في مواقع جمع المساعدات الغذائية. 

قُتل الصحفيون والعاملون في المجال الصحي والإنساني وموظفو الأمم المتحدة، وخاصة الأطفال، كجزء من خطة تهدف إلى إبادة الشعب الفلسطيني. تُصنّف هذه الخطة بشكل لا لبس فيه على أنها جريمة إبادة جماعية.

لم يبدأ تاريخ هذا العدوان في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. يعود المشروع الصهيوني إلى أكثر من قرن من الزمان. إنه مشروع استعماري، عنصري، ومتعجرف استخدم القتل والتهجير القسري كسياسة، كل ذلك بتأييد من عالم ينظر بلامبالاة إلى ما يحدث هناك.

بدأ احتلال الأراضي الفلسطينية من قبل الصهيونية الأوروبية بشراء الأراضي في أوائل القرن العشرين، بدعم من الحكومة البريطانية. وصف الكاتب والناشط غسان كنفاني عملية تجريد السكان الفلسطينيين من ممتلكاتهم قبل عام 1936 في كتابه “ثورة 36-39 في فلسطين”، الذي نشرته دار “كتب 1804”. 

يروي كنفاني أنه بحلول عام 1931، كانت قد هجّرت حوالي 20,000 عائلة فلاحية من أراضيها، ويبيّن هذا النص المهم والأساسي الظروف التي فرضها الانتداب البريطاني على السكان الفلسطينيين، والتي لم تشمل فقط فقدان أراضيهم بل أيضاً إغلاق فضاءاتهم الإنتاجية وفرض أنظمة عمل مجحفة.

أصبح الإرهاب أسلوب عمل الصهيونية بهدف تهجير السكان الأصليين لفلسطين، وقد ارتكبت العديد من المذابح، خاصة خلال وبعد النكبة في عام 1948. 

على سبيل المثال، دخلت في 9 نيسان/ أبريل 1948 فرق من “الإرغون” (منظمة إرهابية صهيونية) قرية دير ياسين، وقتلت أكثر من 100 فلسطيني، بينهم مسنون وأطفال لم يتمكنوا من الفرار. في 11 تموز/ يوليو من ذلك العام، هاجمت قوات كوماندوز تحت قيادة موشيه ديان مدينة اللد (مدينة فلسطينية قرب يافا)، وقتلت 426 شخصاً. سيصبح موشيه ديان لاحقاً وزير دفاع إسرائيل. 

بين 14 و15 تشرين الأول/ أكتوبر 1953، دخلت الكتيبة 101 سيئة السمعة، بقيادة أرئيل شارون، قرية قبية، وقتلت 69 شخصاً. شارون نفسه، الذي سيصبح رئيس وزراء إسرائيل، سيشرف على مذبحة صبرا وشاتيلا في عام 1982، والتي قُتل فيها ما لا يقل عن 3,500 شخص.

لكن ليست المذابح من هذا النوع فقط هي التي ارتكبتها إسرائيل. لقد كان الاغتيال الانتقائي للأفراد ممارسة شائعة وسياسة ممنهجة. وهي جرائم قتل يخطط لها وينفذها جهاز المخابرات الإسرائيلي، الموساد، في أي مكان في العالم، وهو المعروف في شوارع تل أبيب بـ “المعهد”. 

تشمل الأمثلة الحديثة على ذلك اغتيال إسماعيل هنية، المتحدث والمفاوض الرسمي عن حركة حماس، في 31 تموز/ يوليو 2024 في طهران، واغتيال زعيم حزب الله السيد حسن نصر الله في بيروت في 27 أيلول/ سبتمبر 2024.

إسرائيل ليست دولة، بل هي مشروع استعماري أوروبي لم يكن مؤسسوه من سكان تلك الأرض الأصليين. كان ثيودور هرتزل مجرياً، وديفيد بن غوريون وشمعون بيريز بولنديين، وغولدا مائير أوكرانية، وموشيه ديان ابن أوكرانيين، وأرئيل شارون ابن بيلاروسيين، على سبيل المثال لا الحصر. 

الرواية التوراتية المحرَّفة ليست سوى ذريعة ملائمة تعمل على خلق سردية أسطورية تمنح سكاناً أجانب حقوق احتلال على أرض موعودة مزعومة. في الممارسة العملية، ما لدينا هو دولة تأسست على المذابح والقتل والتهجير القسري للسكان الأصليين في انتهاك دائم للقانون الدولي. دولة فصل عنصري تميّز بين مواطنين من الدرجة الأولى يتمتعون بالحقوق ومواطنين من الدرجة الثانية بحقوق محدودة أو معدومة. 

العدوان الذي يجري منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ليس سوى استمرار لمشروع تجريد وإبادة واستبدال شعب بأكمله، بتأييد ورعاية وتمويل من الولايات المتحدة وتنفيذ إسرائيل. يستمر هذا المشروع لأنه يدر أيضاً أرباحاً استثنائية لعدد كبير من الشركات متعددة الجنسيات في الشمال العالمي، كما أثبت مؤخراً التقرير الذي أعدته المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بفلسطين، فرانشيسكا ألبانيز.

كيف يمكن أن يحدث مثل هذا الرعب ولا يمكن إيقافه؟ كيف يمكن أن يكون مجرد فيتو من الولايات المتحدة في مجلس الأمن كافياً لمنع اتخاذ إجراء؟ كيف يمكن حتى لمن يدعمون فلسطين أن يستمروا في التمسك بـ “حل الدولتين” كحل؟ 

يشكك حيدر عيد، في الكتاب الذي أشرنا إليه في البداية، بجدية في هذا “الحل”. دولتان تعني أننا نجعل وجود دولة تستخدم الموت كممارسة أمرا طبيعيا، دولة تطبع وتعلم العنصرية والكراهية في مدارسها، دولة لا تخفي رغبتها في التوسع عبر العنف وإبادة الشعوب الأخرى. 

لم تنتهِ الحرب العالمية الثانية بتسليم جزء من ألمانيا للنازيين. لن ينتهي الصراع بتسليم جزء من فلسطين للصهيونية.

وقف إطلاق النار ضروري، لكنه ليس كافياً. هناك جريمة تُرتكب ويجب محاسبة المسؤولين عنها. حان الوقت لاستخدام الأموال التي تُنفق على القتل في إصلاح الضرر وبدء إعادة الإعمار.

لفلسطين الحق في الوجود، ومن الواضح أنه تم تجاوز خط أحمر يجعل “حل الدولتين” غير قابل للتطبيق. الحل هو دولة فلسطينية ديمقراطية وذات سيادة. حل يحترم حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وحقه في الوجود. دولة تسمح بالتعايش، بغض النظر عن الدين أو الأصل العرقي. قد يبدو هذا يوتوبيا، لكن اليوتوبيا هي التي تسمح لنا بالمضي قدماً. لنجعلها شعارنا!.

حتى الآن، لم يحدث أي تقدم. تثبت الأمم المتحدة عدم فعاليتها، وفلسطين لا تحتمل الانتظار.

*غييرمو ر. باريتو: فنزويلي، حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم (جامعة أكسفورد). وهو أستاذ متقاعد في جامعة سيمون بوليفار بفنزويلا. شغل منصب نائب وزير العلوم والتكنولوجيا، ورئيس الصندوق الوطني للعلوم والتكنولوجيا، ووزير الاشتراكية البيئية والمياه (جمهورية فنزويلا البوليفارية). وهو حاليًا باحث في معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي، وزميل زائر في مركز دراسة التحولات الاجتماعية (IVIC).

أُنتج هذا المقال بواسطة “غلوب تروتر“.

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

مقالات ذات صلة

فلسطين

فلسطين لا تحتمل الانتظار

غلوب تروتر + مدار: 20 آب/ أغسطس 2025 غييرمو ر. باريتو* لم تنتهِ الحرب العالمية الثانية بتسليم جزء من ألمانيا للنازيين. لن ينتهي الصراع بتسليم