بلاك أجندة ريبورت/ مدار: 03 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025
مصعب بابا*
أسوأ أزمة إنسانية في العالم وجدت للتو بؤرة جديدة لها، والسيطرة على الفاشر تشير إلى بداية فصل يزداد سوءاً في تاريخ السودان.
إن سيطرة قوات الدعم السريع المدعومة من الإمارات العربية المتحدة على الفاشر، شمال دارفور، في 26 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، تمثل نقطة تحول كارثية في الحرب الأهلية في السودان وتشير إلى استمرار مروع لنمط التطهير العرقي المستمر منذ عقود في المنطقة. ومع وجود أكثر من 260 ألف مدني محاصرين في المدينة، أدى سقوط آخر معقل رئيسي للقوات المسلحة السودانية في دارفور على الفور إلى ورود تقارير مروعة عن عمليات إعدام جماعية ونزوح واسع النطاق وتفاقم أزمة إنسانية تعتبر بالفعل الأسوأ في العالم.
الأهمية التاريخية للفاشر
الفاشر أكثر من مجرد عاصمة؛ فهي العاصمة التاريخية لسلطنة دارفور وبوابة حيوية تربط السودان بوسط وغرب أفريقيا. أهميتها الاستراتيجية والرمزية هائلة. لطالما كانت المدينة ملاذاً للنازحين داخلياً منذ اندلاع حرب دارفور الأولى في عام 2003، عندما شنت ميليشيات الجنجويد – السلف المباشر لقوات الدعم السريع – حملة ترهيب ضد الجماعات الأهلية غير العربية.
انطلق تمرد عام 2003 على يد حركات تحرير دارفور – التي تتألف بشكل أساسي من مجموعات أهلية غير عربية مثل المساليت والزغاوة والفور – كرد فعل على عقود من التهميش من قبل الخرطوم والمعاملة التفضيلية الممنوحة للجماعات العربية البدوية، مما سمح لها بالتعدي على الأراضي الزراعية للسكان الأصليين. إن سقوط المدينة في أيدي قوات الدعم السريع، وهي جماعة مرتبطة مباشرة بمرتكبي الإبادة الجماعية عام 2003، يبعث بإشارة عميقة ومخيفة للسكان غير العرب في المنطقة.
تطور موقف حركات دارفور
عقب الإطاحة بالرئيس آنذاك عمر البشير في عام 2019، تم توقيع اتفاق جوبا للسلام. وكان من بين الموقعين الرئيسيين حركات تحرير دارفور بقيادة حركة/جيش تحرير السودان بزعامة مني مناوي وحركة العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم، الذين تحالفوا مع الحكومة الانتقالية، التي كانت تضم آنذاك كلاً من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.
عندما اندلعت الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في نيسان/ أبريل 2023، تبنت حركات دارفور هذه في البداية موقف الحياد، داعية إلى وقف إطلاق النار وتشكيل قوة حماية مشتركة في دارفور لحماية المدنيين. إلا أن هذا الحياد تحطم بعد أن ارتكبت قوات الدعم السريع حملة وحشية من التطهير العرقي ضد جماعة المساليت في الجنينة، غرب دارفور، مما أدى إلى عمليات قتل جماعي ونزوح.
بحلول تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، تخلت أربع من حركات القوات المشتركة في دارفور، بما في ذلك حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان/فصيل مناوي، على مضض عن حيادها وتحالفت مع القوات المسلحة السودانية – وهو الجيش نفسه الذي دبر الإبادة الجماعية ضدهم قبل عقدين من الزمن. هذه الخطوة، التي كان دافعها نية الإبادة الجماعية الواضحة التي أظهرتها قوات الدعم السريع، وضعت الضحايا السابقين إلى جانب جلاديهم السابقين في مواجهة تهديد وجودي مشترك وأكثر إلحاحاً.
الحصار والكارثة الإنسانية
منذ بداية الحرب، سيطرت قوات الدعم السريع على أربع من ولايات دارفور الخمس، مع بقاء شمال دارفور، وتحديداً الفاشر، منطقة متنازع عليها جزئياً. ومع تقدم القوات المسلحة السودانية في ولايات وسطى مثل الخرطوم والجزيرة في أوائل عام 2025، تصاعدت المخاوف من أن قوات الدعم السريع ستحول تركيزها للسيطرة على دارفور بالكامل لتعويض خسائرها.
بدأ تكثيف حصار الفاشر في أوائل عام 2025، مما أظهر نية واضحة لتعزيز السيطرة على منطقة دارفور بأكملها. وكان الأثر الإنساني مدمراً.
في نيسان/ أبريل 2025، هاجمت قوات الدعم السريع مخيم زمزم، أكبر تجمع للنازحين داخلياً في السودان على مشارف الفاشر، والذي كان يأوي ما يقدر بنحو 500 ألف شخص في أوائل عام 2025. وأشارت تقارير من نيسان/ أبريل 2025 إلى أن قوات الدعم السريع شنت هجوماً برياً واسع النطاق، مما أسفر عن مقتل مدنيين وحرق أجزاء من المخيم بالكامل. ولاحظ العاملون في المجال الإنساني أن عدد السكان قد انخفض بالفعل بنسبة 70% – من 700 ألف في مارس إلى 200 ألف في سبتمبر – مع نزوح آلاف الأسر قسراً مرة أخرى، حيث فر الكثيرون جنوباً إلى طويلة، التي تستضيف الآن حوالي 600 ألف نازح (ريليف ويب/أخبار الأمم المتحدة، تشرين الأول/ أكتوبر 2025). وتعرض سكان المخيم، الذين كانوا يعانون أصلاً من الجوع والقصف، لمزيد من النهب والعنف.
أدى التطويق الذي دام 18 شهراً إلى حصار إنساني شديد. بحلول تشرين الأول/ أكتوبر 2025، أفادت التقارير بمقتل ما لا يقل عن 20 مدنياً في هجمات لقوات الدعم السريع استهدفت آخر مستشفى متبقٍ ومسجداً في الفاشر، حيث لجأ النازحون، مما يسلط الضوء على الطبيعة العشوائية للعنف.
سقوط الفرقة السادسة والفظائع الفورية
كان الهدف الأسمى لقوات الدعم السريع هو قاعدة الفرقة السادسة مشاة التابعة للقوات المسلحة السودانية في الفاشر. وأكد سقوطها في 26 تشرين الأول/ أكتوبر 2025 سيطرة القوات على المدينة وأشار إلى أن قوات الدعم السريع تسيطر الآن فعلياً على منطقة دارفور بأكملها، محققةً تحذيرات المحللين من تقسيم محتمل للسودان.
في أعقاب السقوط مباشرة، كانت التقارير عن الفظائع واسعة الانتشار. وقالت شبكة أطباء السودان أن العشرات من الأشخاص قُتلوا في “مجزرة مروعة… في جريمة تطهير عرقي” عقب سيطرة قوات الدعم السريع على القاعدة العسكرية. وأفادت المنظمة الدولية للهجرة أن ما بين 2500 و 3000 شخص نزحوا من المدينة في 26 تشرين الأول/ أكتوبر وحده، مع نزوح آلاف آخرين في الأيام السابقة. وانتشرت مقاطع فيديو على الإنترنت، على الرغم من صعوبة التحقق منها بسبب انقطاع الاتصالات، يُزعم أنها تظهر مقاتلي قوات الدعم السريع وهم يوبخون ويعدمون رجالاً اتهموهم بأنهم جنود.
الأبعاد الجيوسياسية و”الرباعية”
يبدو أن توقيت سقوط الفاشر مرتبط بشكل مباشر بمحادثات السلام غير المباشرة الجارية بتسهيل من “الرباعية”، التي تتألف من الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر. وتهدف المحادثات بشكل أساسي إلى تأمين هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر ووقف دائم لإطلاق النار.
الوسيط الرئيسي للولايات المتحدة في هذه المفاوضات هو مسعد بولس، رجل أعمال لبناني أمريكي وكبير مستشاري الرئيس دونالد ترامب لشؤون أفريقيا، وهو أيضاً حمو ابنته الصغرى. وقد قاد بولس، الذي ليس لديه خبرة سابقة معروفة في حل النزاعات السودانية، المحادثات بناءً على خارطة طريق وضعتها الرباعية تتضمن وقف المساعدات الخارجية للأطراف المتحاربة.
يرى العديد من المحللين أن سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر هي خطوة استراتيجية شجعتها الإمارات لتعزيز الموقف التفاوضي لقوات الدعم السريع. وقد اتُهمت الإمارات مراراً بتقديم دعم عسكري مباشر لقوات الدعم السريع، غالباً تحت ستار البعثات الإنسانية – وهي مزاعم تنفيها الإمارات، لكن فريق خبراء تابع للأمم المتحدة اعتبرها “ذات مصداقية”.
من خلال تأمين السيطرة الكاملة على دارفور – وهي منطقة تحد جنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد وليبيا – تسيطر قوات الدعم السريع وداعموها الخارجيون على منطقة شاسعة وحيوية استراتيجياً. ويرى البعض أن هذا التعزيز هو تجسيد صريح لنظام استعماري جديد أوسع نطاقاً تسعى فيه قوى إقليمية متحالفة مع الصهيونية إلى السيطرة على أمن واقتصاد الدول الأفريقية، مما قد يرسخ تقسيماً سياسياً للسودان. وتكتسب الحكومة الإقليمية الجديدة لقوات الدعم السريع، المدعومة من الإمارات، ورقة ضغط قوية في أي مفاوضات مستقبلية، مما يجعل السلام المستدام والعادل احتمالاً بعيد المنال بشكل متزايد للشعوب غير العربية في دارفور.
مصعب بابا: هو عضو مؤسس في المنتدى الأفريقي – السودان، وكان سابقاً عضواً في حركة “قرفنا” في السودان. في السنوات الأخيرة، كان مصعب مستشاراً رئيسياً لشبكة “عين”، بالإضافة إلى عمله مع الفاعلين المدنيين الجدد بعد ثورة 2019.
                                                                
															
