[رأي]. سنة على معركة الطوفان: نحو المواجهة المتصاعدة

مشاركة المقال

مدار: 08 تشرين الأول/ أكتوبر 2024

أجود الجردي*

 شكّلت عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر من العام الماضي، وما تبعها، تطوّراً نوعياً في الصراع المستمر منذ نشأة الكيان الصهيوني الغاصب على أرض فلسطين، ككيان عنصري إحلالي استيطاني تهجيري توسّعي على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية في أرضه ووطنه، من جهة، وكقاعدة متقدمة للسيطرة الاستعمارية والإمبريالية على بلدان المنطقة الممزّقة، بفعل الاستعمار ومخططاته، التي تخضع لنهب ثرواتها ومقدراتها لأمد غير مسمّى من جهة أخرى.

 وبهذا المعنى فإن المواجهة المفتوحة مع هذا الكيان، مع الانتصار للقضية المحقّة للشعب الفلسطيني، هي في صلب مهام الحركة التحررية لشعوب المنطقة، بحيث لا يمكن الفصل بين أوجهها الشاملة، بما هي التحرر من السيطرة الإمبريالية السياسية والاقتصادية والعسكرية، ودحر المشروع الصهيوني التوسّعي، المتمثل في كيان “إسرائيل”، بالترابط مع التحرّر الاجتماعي والسياسي من الأنظمة التابعة والمتخاذلة والمطبّعة. وكما تتوحّد وتتآزر قوى الاستعمار وربيبتها الصهيونية وأنظمة الرجعية تفرض الضرورة توحّد قوى التحرّر بمختلف تكويناتها، وبغض النظر عن منطلقاتها الإيديولوجية والفكرية في معركة المصير الوطني والقومي والتحرّري.

مرت سنة على معركة الطوفان ومازلنا في قلب المعركة التي تتوسّع لتشمل غزة والضفة وسائر أنحاء فلسطين، ولتطال بلدان المنطقة، فالعدوان يستهدف الجميع، دون استثناء. إن هذا العدوان المتواصل الذي أخذ شكل حرب إبادة جماعية في غزة، منذ ما يقارب السنة، بالترافق مع اعتداءات ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس، وعلى لبنان وسوريا واليمن والعراق وسائر المنطقة، يتجه إلى تكرار تجربة غزة في لبنان، باستهدافه الشعب اللبناني ومقاومته من أجل إخضاعه للمخطط الصهيوني الأميركي الأطلسي؛ وهو يهدف إلى تصفية القضية المحقّة للشعب الفلسطيني وإلى إسكات كل قوى المقاومة والتحرّر الوطني العربية، وإلى فرض شروط المشروع الإمبريالي على المنطقة برمّتها.

 وهذا المشروع الاستعماري يعمل على استتباع المنطقة برمتها لسيطرة “إسرائيل” العسكرية كقوة ردع وتفوّق، وإلى السيطرة السياسية والاقتصادية، بدءا بالتطبيع مع العالم العربي، ووصولا إلى إخضاعه التام لمصالح “إسرائيل الكبرى” وللمصالح الإمبريالية ولاستمرار نهب ثرواته ومقدراته، مقابل الجوع والفقر والتشرّد والنزوح والأوبئة والبطالة والمديونية، إضافة إلى التقسيمات والصراعات المذهبية والإثنبة والعرقية. إن العدوان الوحشي يهدف، كما يصرّح الأعداء المجرمون الفاشيون، إلى تغيير وجه المنطقة لعقود طويلة.

خلال هذه السنة التي مرّت شهدنا ونشهد بطولات وتضحيات نادرة للمقاومة الفلسطينية واللبنانية، رغم كل الصعوبات، ورغم الخلل في ميزان القوى، بحيث تتحطّم أسطورة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر، أمام إرادة المقاومين، فيلجأ إلى “التعويض” عن فشله بارتكاب المزيد من المجازر والإرهاب والترويع بحق المدنيين والأطفال والنساء، بتغطية ومساندة أميركية أطلسية، سواء عبر الدعم المباشر بأحدث أنواع الأسلحة التي توصّل إليها التطوّر العلمي والتكنولوجي أو بحشد السفن والأساطيل، أو بالمعطيات الاستخبارية، أو بالتغطية السياسية في المحافل الدولية والقضائية. ويتم ذلك بتواطؤ أنظمة التطبيع العربي وقوى الرأسمال والتبعية التي تلهث لتقديم خدماتها للكيان الصهيوني على حساب كرامة وحقوق شعوبها، لحماية عروشها ومواقعها ومصالحها الطبقية.

 وخلال هذه السنة شهدنا أفظع عدوان صهيوني أميركي أطلسي على غزة، في حرب إبادة جماعية وحشية لا نظير لها في التاريخ المعاصر، وهو العدوان الذي يتكرّر في لبنان ويستهدف بالتدمير الإرهابي المنهج البشر والحجر وكل مقوّمات الحياة الإنسانية. وفي الوقت عينه تُكتب أروع ملاحم الصمود الشعبي، ومواجهة الحصار وآلة القتل والجوع والعطش والمرض والتدمير الصهيونية الإرهابية.

 لم يقتصر العدوان الصهيوني المتمادي على قطاع غزة، والضفة، بل إن حلقات الإجرام توسعت لتطال الشعب اللبناني في تكرار لارتكاباته الدموية في القطاع، بحيث إن الغارات الإرهابية المستمرة تدمّر المباني السكنية فوق رؤوس ساكنيها، وتلقي أطنان القنابل على المدن والقرى في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت ومختلف المناطق، مخلّفة آلاف الضحايا. ويتم تهجير السكّان في حرب متوحّشة، تقودها الحكومة الإرهابية للعدو، وتغطيها الإمبريالية الأميركية في المحافل الدولية، في وقت تحشد قواتها دعما للعدوان، وبحجج الدفاع عن أمن “إسرائيل”.

 إن الأهداف الحقيقية للعدوان على الشعبين اللبناني والفلسطيني تتعدّى ما يعلن عنه العدو، وما يقدّمه من حجج وتبريرات، أمام الرأي العام، رغم أن ما يصدر عنه بين الحين والآخر يفضح مخططاته المتلازمة مع ما ترمي إليه الإمبريالية الأميركية وحلفاؤها.

فالعدو الذي يتحدث عن أهداف معينة، كاستعادة الأسرى والقضاء على “حماس” وعودة المستوطنين إلى المستوطنات الشمالية، وما إلى ذلك من أهداف عجز عن تحقيق أي منها بفعل المقاومة البطولية، يعمل بشكل حثيث، ومن خلال نهجه الإجرامي على تصفية القضية الفلسطينية نهائياً، عبر التهجير القسري للفلسطينيين من غزة إلى مصر، ولاحقا من الضفة إلى الأردن، أو عبر أشكال من التهجير “الطوعي” من خلال تحويل القطاع إلى أرض غير قابلة للعيش، أو يندفع باتجاه استكمال تنفيذ مشروع الترانسفير الكامل للشعب الفلسطينيّ، وإقامة دولة التطهير العرقيّ، الدولة القوميّة الصهيونيّة، كهدف أول. فإذا ما تعذّر ذلك ولم يتحقّق بالتهجير فالهدف الثاني هو إقامة دولة الفصل العنصريّ كما كان عليه الحال في دولة الأبارتايد في جنوب إفريقيا. أما الكلام عمّا يسمّى “حلّ الدولتين” على لسان الإدارة الأميركيّة فهو لذرّ الرماد في العيون، إذ لم تعد هناك من مقوّمات للدولة الفلسطينية على أرض الواقع، بدليل الخارطة التي طرحها نتانياهو في الأمم المتحدة في 22 سبتمبر الماضي كمشروع للشرق الأوسط الجديد، التي لا وجود لدولة فلسطين عليها. فالدولة الفلسطينية التي نراها هي دولة تتحقق بالكفاح والنضال متعدّد الأشكال، دولة تأتي بالمقاومة وبالتحرير.

ولأن العدوان فشل بعد سنة في تحقيق أهدافه بفضل خيار الصمود الأسطوري لشعبنا الفلسطيني في غزة إلى جانب مقاومته الباسلة، فإن هذا العدوان الصهيوني – الأميركي يستكمل هجومه الوحشي على لبنان منذ 17 سبتمبر الماضي جوا وبحرا وبرا، بهدف القضاء على مقاومته وشعبه وصموده وقراره الوطني، تمهيداً لإخضاعه والسيطرة على ثرواته وفرض شروط الالحاق والخضوع والتطبيع عليه، واعتماده نقطة انطلاق لإخضاع المنطقة برمتها.

انطلاقا مما تقدّم فإننا أمام وضعية تاريخية تفرض على كل أحرار العالم، وبخاصة على القوى الوطنية والتقدمية واليسارية أو التحررية، تتمثّل في ضرورة إثبات حضورها في هذه المعركة باعتبارها معركة تحرّر وطنيّ تستوجب استخدام كل أشكال النضال، بما فيها المقاومة المسلّحة، تحقيقا لمتطلبات إسقاط الخطة الأميركية – الصهيونية، بدءاً بعدم ترك الشعبين اللبناني والفلسطيني وحيدين في المواجهة، وهما يتعرضان للمجازر والإبادة، فالعدوان لن يتوقف عندهما، وهو ما يفرض اتخاذ خيار المقاومة الشاملة التي تعني المواجهة بمشروع وطني تحرري مقاوم يتضمّن كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويجمع بين التحرّر من الإمبريالية ومرتكزها الصهيوني وبين التغيير الديمقراطي والسياسي.

فلتتوحد الجهود لدحر المحتل الصهيوني، وإحباط المخطط الاستعماري الإمبريالي الأميركي بكل أهدافه.

*أجود الجردي: عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني

**مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن مواقف مدار.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة