مدار: 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2021
كاترين ضاهر
“لن أندم، لن أساوم، سأظل أقاوم”، ليست مجرد عبارة قالها المناضل اللبناني جورج إبراهيم عبدالله، المعتقل تعسفاً في السجون الفرنسية، بل هي ملخص عن مبدأ ذلك الثائر العنيد المقاوم الذي لا يعرف إلّا المواجهة والصمود والرفض…فهو الذي أكّد على عائلته والرفاق والأصدقاء وكافة المتضامنين مع قضيته ألا يتسولوا إطلاق سراحه، وألا يكونوا في موقف ضعف.
وتغفل الحكومة الفرنسية عن تطبيق مبادئ الثورة الديمقراطية الفرنسية، في وقت يمضي جورج عبد الله عامه السابع والثلاثين في سجن لانيميزان (Lannemezan)، رغم أنه استوفى شروط الإفراج عنه منذ 22 عاماً، إذ بدء حقه في الإفراج عنه منذ عام 1999، ونفّذ كافة الأحكام القضائية الصادرة في حقه.
اعتقل عبد الله عام 1984 في مدينة ليون، وأصدر القرار الأول للإفراج عنه عام 2003، إذ كان ينتظر توقيع وزير الداخلية السابق مانويل فالس قرار ترحيله إلى لبنان مطلع العام 2013، إلّا أن السلطات الفرنسية ترفض الإفراج عنه لأسباب سياسية وضغوط أمريكية.
يُشار إلى أن يوم الأحد 24 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري سيكون جورج عبد الله أمضى 37 عاماً في السجون الفرنسية، وبذلك يصبح أقدم سجين سياسي في أوروبا.
وللإضاءة على قضية المناضل اللبناني أجرى “مدار” حواراً مع الناطق باسم “الحملة الدولية للإفراج عن الأسير جورج عبد الله” روبير عبدالله (شقيق جورج)، وتوم أيرود Tom Eyraud، عضو رابطة فلسطين تنتصر (Le Collectif Palestine Vaincra).
س- روبير، بدايةً أعطنا لمحة عن قضية جورج.
لا يمكن النظر في قضية الأسير جورج عبد الله دون الرجوع إلى سبعينيات القرن الماضي، وما شهدته من عوامل صعود نضالي في لبنان وفلسطين والعالم العربي عموماً. غير أن جورج عبد الله، بما امتلك من حس نقدي عميق ومواقف جذرية، وعى باكراً ضرورة الربط المحكم بين مواجهة الصهاينة وظهيرهم الإمبريالي من ناحية، والتصدي لبنية الرأسمالية التبعية في لبنان والعالم العربي، وهو ما استوجب التصدي للانحرافات اليمينية في الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية؛ وإذ انخرط في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب اللبناني عبر انتمائه إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لم يدر ظهره إلى ما كان يعتمل في لبنان من صراعات الزواريب وأصناف البلطجة والتشبيح الملتحفة بألوان الشعارات الفارغة من مضامين فعلية، مستشرفاً أن هذه الأخيرة سوف تبدد الكثير من التضحيات المبذولة في الدفاع عن لبنان والقضية الفلسطينية.
في هذا السياق، بدا خروج جورج لملاحقة العدوان الصهيوني الأطلسي في بلدان الغرب الإمبريالي، وهناك لاحقته أجهزة الموساد الإسرائيلي، وتمّ اعتقاله في فرنسا عام 1984.
لم يكن لدى السلطات الفرنسية أي حجة لتوقيفه سوى التقارير الاستخباراتية، فحكم عليه بالسجن مدة أربع سنوات بسب اقتنائه جواز سفر جزائري يحمل اسما مغايراً لاسمه الحقيقي؛ وخلال فترة توقيفه شهدت مدن فرنسية تفجيرات دامية، وإذ عجزت السلطات الفرنسية عن القبض على الفاعلين، ألصقت به تهمة الوقوف وراء التفجيرات، وترافقت مع حملة تجريم قامت بها الأوساط الإعلامية الرسمية.. وبالتزامن مع دخول الولايات المتحدة الأمريكية رسمياً كطرف في الادعاء ضده، فجاء الحكم عليه بالسجن المؤبد.
س- أين الدولة اللبنانية من قضية جورج عبد الله؟
عشرات السنوات مرت من دون أن تحرك الدولة اللبنانية ساكناً. أما النواب وتكتلاتهم فقد ظهرت منهم علامات اهتمام شكلية بعد صدور قرار الإفراج الأول عنه عام 2003، الذي ألغته محكمة الاستئناف لاحقاً، واقتصرت على الاهتمام اللفظي على طريقة الوعود في المواسم الانتخابية.
في العام 2013، وبعد صدور قرار الإفراج، وامتناع وزير الداخلية الفرنسية عن توقيع قرار ترحيله إلى لبنان، تصاعد الاهتمام قليلاً، إذ صدرت استنكارات عن كتل نيابية، ومواقع وزارية، لكنها بقيت فعلياً ضمناً إطار رفع العتب.
ذروة المتابعة حدثت مع قيام سفير لبنان في باريس رامي عدوان بزيارة جورج في سجنه عام 2018، وكرر زيارته بمعية وزيرة العدل اللبنانية السابقة ماري كلود نجم في مارس/ آذار الماضي، ما يؤشر على دخول الدولة اللبنانية على خط متابعة قضيته رسمياً، بعد انقضاء زهاء 37 عاماً على اعتقاله.
س- تعليقكم على مواصلة السلطات الفرنسية اعتقال جورج، وأيضاً أشكال التضامن (داخلياً وعربياً أو عالمياً)؟.
على مدى سنوات اعتقاله أظهرت السلطات الفرنسية التزاماً مبرماً بإملاءات الإدارة الأمريكية تجاه قضية الأسير جورج عبد الله، وليس أدل على ذلك ما ظهر في إحدى وثائق ويكليلكس من طلب رسمي من وزيرة الخارجية الأميركية وهي تأمر نظيرها الفرنسي بالتفتيش عن أي مسار يحول دون الإفراج عن جورج عبد الله؛ وكان ذلك عشية صدور القرارات القضائية بالإفراج عنه بين عامي 2012 و2013.
هذا الإصرار الأمريكي لا يعكس سوى الامتعاض من حملات التضامن المتعاظمة مع جورج عبد الله، وتحوله إلى رمز وقدوة في زمن تغول الرأسمالية العالمية مقابل تراجع اليسار عموماً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. فكيف لهذا القابع في سجنه المؤبد في أقصى الجنوب الفرنسي أن يجمع هناك حول أسوار سجنه مئات المناضلين من مختلف العواصم الأوروبية؟ كيف تنبت حملات التضامن في بلجيكا، وإسبانيا، وألمانيا، والأرجنتين، وفي غير عاصمة من شتى أصقاع العالم؟ كيف تحدث اعتصامات في تونس والمغرب العربي للمطالبة بالإفراج عنه؟ كيف تخرج أصوات من الأردن ومن فلسطين المحاصرة، بالقتل والجوع وبآلاف المعتقلين؟ كيف لأولئك أن يضيفوا على لائحة أهدافهم الانتصار لقضية جورج عبد الله؟ وكيف أولاً وآخراً للبنان الممزق بحروبه الطائفية الدائمة، والمثقل بأمراء ولصوص النهب المنظم، أن يخرج رغماً عنهم من يعكر صفو جولة ماكرون “الإنقاذية” على ركام ضحايا تفجير مرفأ بيروت، فيخدش براءة إنسانيته المزعومة، ويذكرونه بأنه خاطف لجورج عبد الله؟.
إنها حصيلة الحملات داخلياً وعربياً ودولياً، وهي مسارات متعددة، آفاقها وخطواتها مفتوحة على مبدأ أعلنه جورج عبد الله من أسره، مفاده: “لا تتسولوا حريتي”، و”تحريري لا يتم إلّا عندما يقتنع السجان بأن كلفة بقائي في السجن هي أعلى من كلفة الإفراج عني”.
س- ما المطلوب لتفعيل قضيته عالمياً والضغط لكسر التدخلات الأمريكية لإطلاق سراحه؟ وما هي الخطوات المقبلة؟
إن المطلوب هو قيد التحقق عملياً؛ فعاليات التضامن في تصاعد، والتنسيق بين المنظمات والمجموعات في ازدياد، ففي فرنسا على سبيل المثال لا الحصر تمّ تشكيل اللجنة الموحدة لتحرير جورج عبد الله، وهي لجنة مكونة من عدة إطر متضامنة معه.
وفي لبنان، لم يكن جورج عبد الله منعزلاً عن فعاليات انتفاضة 17 تشرين 2019، فهو كان على تواصل مع أكثر من ساحة وطيف في ساحات الانتفاضة، ودافعاً كما هو دائماً نحو إحكام الربط بين المقاومة وتحرير لبنان من الرأسمالية التبعية.
مازالت أشكال متابعة قضية جورج تتنوع، وسنكون الشهر المقبل على موعد مع فيلم “فدائيون…” الذي يوثق قضية جورج عبد الله، وسيعرض في عدة مناطق لبنانية.
“رابطة فلسطين تنتصر”: جورج عبد الله يجسد بديلاً مناهضاً للإمبريالية والصهيونية
يجب على السلطات الفرنسية الكف عن ممارسة سياسة انتقام الدولة، وتنفيذ ادعاءاتها في الفصل بين السلطات وتوقيع قرار الإفراج عن جورج عبد الله؛ لذا تتزايد الحملات التضامنية لتفعيل الضغط عليها حتى داخل الأراضي الفرنسية.
وفي السياق، أشار توم أيرود، عضو “رابطة فلسطين تنتصر”، لـ “مدار”، إلى أن مجموعة “رابطة فلسطين تنتصر” تأسست بمدينة تولوز الفرنسية في آذار / مارس 2019، كاستمرار لعمل ممتد على مدى 10 سنوات لدعم الشعب الفلسطيني ومقاومته المشروعة ضد الإمبريالية والصهيونية والأنظمة العربية الرجعية.
ورداً على سؤال أهداف المجموعة وتبينها قضية المعتقل جورج عبد الله، قال: “لدينا عضوان فخريان في الرابطة، هما جورج عبد الله وليلى خالد. ومن أهدافنا الاتحاد والنضال للدفاع عن تحرير فلسطين من البحر إلى نهر الأردن وحق العودة لجميع اللاجئين الفلسطينيين والمقاطعة الكاملة للكيان الصهيوني”.
وتابع أيرود: “نحن ندعم نضال الأسرى الفلسطينيين من أجل إطلاق سراحهم، لأنهم يمثلون مكوناً مركزياً في المقاومة الفلسطينية؛ ومن ضمنهم جورج عبد الله لأنه أسير القضية الفلسطينية في السجون الفرنسية. لذا من مسؤوليتنا في فرنسا أن ندعمه لأنه يجسد بالتأكيد بديلاً مناهضاً للإمبريالية والصهيونية للشعبين الفلسطيني واللبناني”.
وعن تفعيل التضامن، قال المتحدث ذاته: “نعمل على تطوير عملنا التضامني من خلال الحملات الإعلامية الميدانية، ولكن أيضاً من خلال استضافة الشخصيات السياسية والفنية أو تنظيم أعمال رمزية وإعلامية”.
يُشار إلى أن “رابطة فلسطين تنتصر” دعت إلى أوسع مشاركة في الفعاليات السنوية التي أقيمت يوم الخميس الماضي من أجل المطالبة بإطلاق سراح جورج عبدالله، حيث تم عرض فيلم وثائقي بعنوان “فدائيون، نضال جورج عبد الله” في الكوزموغراف الأميركي، وستستكمل يوم غد 23 أكتوبر/ تشرين الأول حيث سيخرج المئات أمام سجن لانيميزان حيث يقبع جورج عبد الله في مسيرة للمطالبة بحريته.