ثورة سانكارا تنهض من جديد

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

بيبلز ديسباتش/ مدار: 04 أغسطس/ آب 2025

جونيس غيدي – ألاسو *

توافق اليوم، 4 أغسطس/ آب، الذكرى الثانية والأربعون لوصول توماس سانكارا إلى السلطة في بوركينا فاسو، مجدداً روح التحرر الوطني في سائر أنحاء أفريقيا. ورغم أن اغتياله في تشرين الأول/ أكتوبر 1987 شكل نكسة، إلا أنه لم يستطع إخماد نضال انعتاق أفريقيا، الذي عاش واستشهد من أجله في نهاية المطاف.

إن نقده للدين الخارجي بوصفه “إعادة استعمار لأفريقيا تُدار ببراعة”، الذي ألقاه في قمة منظمة الوحدة الأفريقية قبل ثلاثة أشهر من اغتياله، لا يزال صداه يتردد حتى اليوم. فبعد قرابة أربعة عقود من هذه الخطوات الأولية، في جنوب الساحل، أسست مالي والنيجر وبوركينا فاسو تحالف دول الساحل. وبتوحيده 71.4 مليون نسمة عبر 2.78 مليون كيلومتر مربع، يصبح هذا التحالف أول تكتل منذ عقود يتحدى البنى الإمبريالية المتجذرة لـ”فرنسا-أفريقيا” ومؤسسات بريتون وودز.

و استلهاما لمقولة سانكارا الشهيرة، “من يطعمك، يتحكم فيك”، تطبق الحكومة الجديدة في واغادوغو سياسات تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي الاقتصادي. فبقيادة النقيب إبراهيم تراوري، أمّمت الدولة مناجم الذهب الرئيسية، في تحدٍ مباشر لسيطرة الشركات الأجنبية على أثمن موارد البلاد.

ولتعزيز الأمن الغذائي للعمال الزراعيين، الذين يشكلون غالبية سكان بوركينا فاسو، بدأت إدارته في توزيع المعدات الزراعية الحيوية، بما في ذلك 400 جرار ومئات المضخات الآلية، على التعاونيات الريفية. بالإضافة إلى ذلك، من خلال الإدارة الحذرة للقروض من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، تسعى حكومة تراوري إلى تجنب ما أسماه سانكارا نفسه “فخ الديون”، الذي اعتبره وسيلة أساسية لتقويض السيادة الأفريقية. وبينما يظل نجاح تحالف دول الساحل على المدى الطويل محل جدل، فإن رمزيته وتوجهه يشيران إلى ابتعاد واضح عن الماضي الاستعماري والاستعماري الجديد.

تتجاوز الطموحات الاقتصادية لتحالف دول الساحل حدود الرمزية. فالمؤسسون ملتزمون بإنشاء سوق مشتركة، وتوحيد جوازات السفر، وتأسيس بنك استثمار لتحالف دول الساحل. وتشمل هذه الأهداف مناقشات حول طرح عملة إقليمية لتحل محل الفرنك الأفريقي، وهي خطوة من شأنها أن تتحدى بشكل كبير الاستعمار الفرنسي الجديد عبر استرجاع السياسة النقدية.

تهدف جهود تحالف دول الساحل إلى عكس مسار مليارات اليوروهات التي تم استنزافها من المستعمرات الفرنسية السابقة منذ الاستقلال. كما تسعى هذه الجهود إلى سد فجوة النمو السنوية الكبيرة بين منطقة الفرنك الأفريقي والاقتصادات غير الأعضاء فيه، مما يبرهن على التزام التحالف بالعدالة الاقتصادية.

لقد عزز التعاون الأمني هذه المبادرات الاقتصادية. إذ تقوم قوة مشتركة من القوات بدوريات في منطقة ليبتاكو-غورما الحدودية الثلاثية، بهدف احتواء التمردات الجهادية التي دمرت مجتمعات بأكملها. وبطرد جميع القوات الفرنسية من أراضيها بحلول كانون الأول/ ديسمبر 2023، تتحدى كل عاصمة علناً الهيمنة الإمبريالية الفرنسية، التي شملت، منذ عام 1960، تدخل فرنسا عسكرياً في الدول الأفريقية بمعدل مرة واحدة في السنة تقريباً.

ولا يزال تحالف دول الساحل وليدًا هشًا ذا مستقبل غامض. يجب على مصرفه تأمين أموال صناديق الثروة السيادية الأفريقية، واستثمارات الشتات، وشراكات بريكس بلس (BRICS+). كما يجب عليه الصمود أمام العقوبات والتخريب السري الذي تمارسه القوى الفاعلة الاستعمارية الجديدة، التي تتحدى هيمنتها عبر نبذ التكتل للديون، وقومية الموارد، وإصراره على السيادة الإقليمية.

كيف إذن يمكن تجسيد إمكانيات تحالف دول الساحل على أرض الواقع؟ تظهر الخبرة المتراكمة لنضالات التحرر الوطني أنه لا يوجد نضال مستدام من أجل الكرامة دون وضع الجماهير في صميمه. وباعتبار الجماهير القوة الدافعة في النضال من أجل الحرية والمستفيد النهائي من الثورات الوطنية السيادية، كتلك التي اشتعلت في الساحل، يجب أن تستمر في الظهور بشكل بارز كقوة دافعة وحامية لهذه لهذه المسارات الثورية الناشئة.

إن الضمانة الحقيقية الوحيدة ضد النكسات المستمرة في هذه السيرورة الثورية هي الحوار الجدلي بين القوى الشعبية وحكومات تحالف دول الساحل الجديدة، التي تحمل آمال شعوبها بل والقارة بأكملها. ومن خلال التحديات والفرص التي تنتظرنا، يعمل هذا الحوار كحلقة وصل حاسمة يجب أن تضمن قيام الحكومات والقوى الشعبية معاً ببناء مستقبل تحالف دول الساحل.

لتكريم سانكارا اليوم، يجب أن نتجاوز الصور على القمصان والجداريات على حوائط واغادوغو: يجب أن نبني المؤسسات التي تجسدها، من المصارف إلى المبادرات الشعبية المنظمة وأكثر.

إذا استطاع تحالف دول الساحل، من خلال الحفاظ على الموجة الحالية من الدعم الشعبي والاستفادة منها، تحقيق سيادة حقيقية – عبر عملة مشتركة، ومواطنة إقليمية، وزراعة صناعية – فلن يؤكد فقط مقولة سانكارا بأن كرامة أفريقيا لا يمكن تسليمها لـ”القتلة التقنيين”، بل سيضع أيضاً الأساس لمستقبل أكثر إشراقاً واستقلالاً لأفريقيا.

سيُظهر ذلك أن الثورة التي بدأها قبل أكثر من أربعة عقود لم تمت بخيانة بليز كومباوري. فثورته لا تزال حية وتلهم القوى الشعبية من واغادوغو إلى نيروبي. لقد بات من الواضح تماماً أنه لا مكان للتهاون وسط نضال راكد من أجل حرية حقيقية في جميع أنحاء القارة الأفريقية.

بعد ستة أسابيع، في 16 أيلول/ سبتمبر 2025، سيشهد العالم مرور عامين على التشكيل الرسمي لتحالف دول الساحل. لقد شكل هذا الحدث التاريخي تحولاً نحو الوطنية والتزاماً متجدداً بالسيادة في جميع أنحاء أفريقيا. وإذا ما كانت هذه اللحظة تشير إلى تحرك مستدام نحو وحدة وكرامة وحرية أفريقية أوسع يظل أمراً غير مؤكد. إن أهمية تشكيل تحالف دول الساحل، كما كانت أهمية ثورة توماس سانكارا قبل قرابة نصف قرن، تعتمد على أولئك الذين يستثمرون منا في ما يمثله.

وبالتالي، فإن النجاح النهائي لتحالف دول الساحل لن يعتمد على قادته فحسب، بل على قدرة أنصاره – داخل الساحل ودولياً – على بناء جبهة عريضة موحدة ضد الإمبريالية. فمن خلال أفعالهم المتجسدة في التضامن والتثقيف ورفع الوعي في الأشهر المقبلة يمكن تحدي السرديات الإمبريالية.

بالوقوف كتفاً بكتف مع شعوب أفريقيا والمنظمات التي بنتها، يمكن رفع نداء قوي وموحد إلى الثائر البوركينابي، توماس سنكارا: “ثورتك حية – وفي الساحل، وفي أفريقيا، وعبر العالم، إنها تنهض من جديد!”.

*جونيس غيدي – ألاسو هو منسق سكرتارية “الوحدة الأفريقية اليوم” ( Pan Africanism Today).

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

مقالات ذات صلة

فلسطين

فلسطين لا تحتمل الانتظار

غلوب تروتر + مدار: 20 آب/ أغسطس 2025 غييرمو ر. باريتو* لم تنتهِ الحرب العالمية الثانية بتسليم جزء من ألمانيا للنازيين. لن ينتهي الصراع بتسليم