بيبلز ديسباتش + مدار: 21 حزيران/ يونيو 2024
ستيفاني ويذربي بريتو*
علينا أن نعي ونحن نخلد اليوم العالمي للاجئين هذا العام – 20 يونيو/حزيران – حقيقة أن أكثر من 117 مليون شخص هم ضحايا النزوح القسري. يلقي شبح العنف بظلاله على جميع أنحاء العالم من فلسطين إلى السودان ومن اليمن إلى أوكرانيا ومن جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى ميانمار، ويؤدي إلى مأساة الموت والنزوح التي أصبحنا نعرفها جميعاً.
ووفقًا لمؤشر النزاعات المسلحة الخاص بمشروع بياناتِ مواقعِ النزاع المسلح وأحداثه (ACLED)، فإن العالم أصبح أكثر عنفًا، وهو ما يتجلى في واقع أن واحدًا من كل ستة أشخاص كانوا عرضة أو ضحية لهذه النزاعات في عام 2024، وهو ما يمثل وفقا لـ “ACLED”، زيادة بنسبة 22% في حوادث العنف السياسي خلال السنوات الخمس الماضية، مما يطرح السؤال التالي: “لماذا أصبحت الحرب هي القاعدة في جميع أنحاء العالم؟”.
لفهم توسع نطاق الحرب والصراع العنيف في السنوات الأخيرة، من الضروري النظر إلى العوامل الشاملة بدلا من التركيز حصريا على أسباب كل صراع. عندما ننظر إلى الصورة الأكبر، نجد عالما غير متكافئ على نحو متزايد في ظل ازدهار سوق السلاح وفشل بنيات الحوكمة العالمية؛ وترتبط جميع هذه العوامل بالأزمة الهيكلية للرأسمالية و المشروع الإمبريالي الأمريكي الذي لجأ إلى العدوانية المتزايدة ردا على تراجعه.
ساهمت الممارسات الأمريكية على مدار عدة عقود، في خلق حالة من الفوضى العالمية، والتي ترتبط بأجندة أوسع تهدف إلى ترسيخ الأحادية القطبية والحفاظ عليها. فقد اتبعت الولايات المتحدة منذ سبعينيات القرن العشرين، وبشكل متزايد، سياسة خارجية اتسمت بإجراءات واستراتيجيات أحادية الجانب تهدف إلى تعزيز مصالحها، وغالبًا ما كان ذلك دون إيلاء أي اعتبار لتأثيرها على الجهات الفاعلة الأخرى، بما في ذلك بعض حلفائها.
أصبحت الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1989 مقتنعة بأنها أسست نظاما جديدا أحادي القطب مقدر له أن يستمر إلى الأبد. ومنذ ذلك الحين، ازداد عدد النزاعات العنيفة التي شاركت فيها الولايات المتحدة وشملت بنما (1989) والعراق (1990) ويوغوسلافيا (1995) وأفغانستان (2001) والعراق (2003) وليبيا (2011) وسوريا (2014) وأوكرانيا (2022) وفلسطين (2023). في بعض هذه الحالات، امتدت الصراعات التي حرضت عليها الولايات المتحدة إلى خارج الحدود، وتوسعت من خلال تورط ميليشيات لا يمكن التنبؤ بها، وأسفرت عن فوضى وعنف وانهيار سلطة الدولة، كما أنه غلبا ما أدى ذلك إلى مزيد من التصعيد العنيف. وبهذه الطريقة، أدت جهود الولايات المتحدة للحفاظ على القطبية الأحادية إلى زيادة حدة الصراع العالمي.
كما قامت الولايات المتحدة بتفكيك أي مظهر من مظاهر الحوكمة العالمية التي تهدف إلى منع النزاعات وحلها، فقد أُنشئت عصبة الأمم (1919) ثم الأمم المتحدة (1945) لتعزيز السلام والأمن، من خلال تطبيق القانون الدولي لتنظيم سلوك الدول. ومع ذلك، دأبت الولايات المتحدة على الاستهزاء بهذه الهياكل متعددة الأطراف والقوانين الدولية، في وقت تعمل فيه على حماية حلفائها المقربين من تداعيات تجاوزاتهم.
ومن الأمثلة الهامة على ذلك، والتي تمثل لحظة محورية في تقويض النظام القائم على القواعد، الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. فهذا الغزو، الذي زُعم أنه شُنّ كضربة “وقائية”، كان يفتقر إلى أية أدلة واستند إلى ادعاءات كاذبة بشأن امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل.
وبشروعها في شن حرب لم تستوف المبررات المقبولة دوليا للصراع، أرست الولايات المتحدة سابقة تجيز القدرة على شن الحرب – إلى جانب السيطرة على الروايات الإعلامية لتبرير الأعمال العسكرية – دون الالتزام بتبرير التدخل العسكري بموجب القانون الدولي. هذا العمل الذي قامت به الولايات المتحدة قوض أي مفهوم للسلم والأمن في إطار نظام قائم على القواعد. فبعد الحرب التي لم يتم التصدي لها إلى حد كبير في العراق، شرعت الولايات المتحدة في شن حروب تهدف صراحة إلى تأكيد هيمنتها وسيطرتها، ويجسد الغزو الذي قاده حلف شمال الأطلسي (الناتو) على ليبيا في عام 2011 هذه المحاولات العلنية لتفكيك وترهيب أولئك الذين يتحدون أو يعارضون الهيمنة الأمريكية.
منتجو الأسلحة والحرب
تعتمد الإمبريالية الأمريكية بشكل كبير على الهيمنة العسكرية التي لا مثيل لها، التي بنتها وحافظت عليها على مدى عقود، ولتحقيق هذه الغاية، زاد الإنفاق العسكري للولايات المتحدة بشكل مطرد.
ويبلغ تمويل الآلة العسكرية العملاقة التي تقودها الولايات المتحدة في الوقت الحالي 1.537 تريليون دولار أمريكي (مع احتساب الإنفاق الأمريكي فقط) و2.13 تريليون دولار أمريكي (بما في ذلك نفقات حلفاء الولايات المتحدة). وبالنسب المئوية، فإن الكتلة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة مسؤولة عن 74.3% من الإنفاق العسكري على مستوى العالم. ووفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، فإن أكبر خمس شركات منتجة للأسلحة والخدمات العسكرية في العالم هي شركة “لوكهيد مارتن كوربوريشن” و”رايثيون تكنولوجيز” و”نورثروب غرومان كورب” و”بوينغ” و”جنرال دايناميكس كورب”، وهي كلها شركات أمريكية المنشأ.
إن الولايات المتحدة مسؤولة بشكل غير مباشر – من خلال بناء مخزونها الهائل من الأسلحة – وبشكل مباشر – من خلال إنتاج كمية كبيرة من الأسلحة التي يتم استخدامها اليوم حول العالم – عن الكم الهائل من الأسلحة في العالم اليوم – وهي أسلحة لها دور فعال في إدامة الصراعات وتصعيدها.
كما أن وجود الأسلحة المتاحة بسهولة، له تأثير في تأجيج النزاعات التي ربما لم تكن لتتصاعد لو لم تكن الأسلحة متوفرة. وقد شوهد هذا في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق، حيث تحولت الخلافات القديمة بين الجماعات التي تعايشت في سلام نسبي لعقود إلى صراعات دموية بين زعماء القبائل والجماعات الدينية، بسبب توافر السلاح واستخدام هذه الجماعات المختلفة كوكلاء للولايات المتحدة وخصومها.
وكلما انتهى صراع ما، سرعان ما تنتقل أسلحته إلى البلدان المجاورة، مما يفتح جبهات حرب جديدة. ووفقا لمكتب الأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح (UNODA)، فإن “التكديس المفرط للأسلحة الصغيرة وتوافرها على نطاق واسع قد يؤدي إلى تفاقم التوتر السياسي، وغالبا ما يؤدي إلى عنف أكثر فتكا وأطول أمدا”.
قامت الولايات المتحدة منذ تدشين مشروع الولايات المتحدة للهيمنة العالمية في عام 1945 بتدخلات عسكرية في أكثر من اثني عشر بلدا. فقد استُهدفت أفغانستان وحدها بـ 81,638 قنبلة أو صاروخ من قبل الولايات المتحدة وحلفائها بين عامي 2001 و2021، كما عانت دول أخرى مثل فيتنام والصومال ولاوس والكويت وغرينادا واليمن وعشرات الدول الأخرى من الدمار والخراب الشامل في ظل التدخلات العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة.
وفقا لتقرير الاتجاهات العالمية الصادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) فإن هناك زيادة مطردة في عدد النازحين قسراً سنوياً. ففي عام 2023، أُجبر 27.2 مليون شخص على الأقل على الفرار، أي أن ما مجموعه 117.3 مليون شخص لا يزالون نازحين، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 8% عن العام السابق. وتشير تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن أعداد الوفيات المرتبطة بالنزاعات لها علاقة وثيقة بعدد النازحين كل عام. أما البلدان الثلاثة التي تشهد أكبر عدد من حالات النزوح القسري فهي جميعها متورطة حالياً في نزاعات مسلحة: السودان وفلسطين وميانمار.
الحصار الاقتصادي باعتباره نوعا من أنواع الحروب
لا تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية القنابل فقط كوسيلة وحيدة للدفع بأجندتها إلى الأمام؛ فقد استغلت أيضًا سلطتها على النظام الاقتصادي العالمي لإجبار الدول غير المنضبطة على السير في خط واشنطن.
وتستخدم الولايات المتحدة التدابير القسرية والأحادية الجانب، أو العقوبات، على نطاق واسع لإفقار وتجويع وإضعاف أعدائها. وقد فرضت الولايات المتحدة حاليًا هذه التدابير من جانب واحد على ما يقرب من 39 دولة وإقليما. والعقوبات هي حرب بمسمى آخر، حيث أن نتائجها تؤدي إلى خسائر في الأرواح بين المدنيين على نطاق يضاهي الحرب.
أبانت الولايات أن التدخلات العسكرية والعقوبات الاقتصادية على حد سواء قائمة من أجل إكراه أي دولة تحيد عن مصالحها، وقد أدى ذلك إلى تعزيز بيئة عالمية تتنافس فيها الدول على السلطة والنفوذ. دفع نزوع الولايات المتحدة إلى غزو ومعاقبة من تعتبرهم خصومها إلى تعزيز قدراتها العسكرية والجيوسياسية لحماية سيادتها في عالم يتسم بالعنف والصراع، مشبع بالأسلحة ويفتقر إلى آليات فعالة لضمان السلام.
لقد كانت نتيجة مشروع الهيمنة الأمريكي، عالما من الحروب المستمرة التي لا تنتهي، سواء أكانت هذه الحروب تشمل الولايات المتحدة بشكل مباشر أم لا. فالصراعات من أجل السيطرة على الأرض والموارد من قبل الفصائل المتنازعة سرعان ما تتصاعد إلى صراع مسلح، بسبب سهولة توفر الأسلحة والتمويل الطوعي للقوى الإقليمية التي تتطلع إلى بناء قوتها الجيوسياسية. وهذا ما يحدث في السودان اليوم بشكل أساسي، حيث أدى الصراع إلى نزوح أكثر من عشرة ملايين شخص. يعمل الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على إجهاض العملية الديمقراطية التي يناضل الشعب من أجلها منذ عام 2018، حيث تتصارع الجماعات العسكرية المتناحرة للسيطرة على البلاد ومواردها.
علاوة على ذلك، يساهم انتشار الصراعات في تطبيع الصراع العنيف نفسه. فبينما نتعرض لأعداد متزايدة من الضحايا المدنيين ومخيمات اللاجئين والدمار الواسع النطاق للمدن، تصبح استجابتنا للحرب سلبية وفي حدها الأدنى.
وبدلا من ذلك، يجب أن تكون استجابتنا في عمل سياسي يعالج الأسباب الجذرية لحالة الحرب الدائمة التي نعيش فيها. فمن خلال التصدي للإمبريالية الأمريكية وتجاهلها للمؤسسات الدولية وآليتها العسكرية الضخمة يمكننا إنهاء حالة العنف والصراع المنتشر على نطاق واسع الذي يطارد البشرية – ومعالجة جذور أزمة اللاجئين التي نشعر بها في جميع أنحاء العالم.