تحقيق أممي يكشف أن مجازر الساحل السوري كانت ممنهجة وواسعة النطاق

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

مدار: 17 آب/ أغسطس 2025

كشفت لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية، التابعة للأمم المتحدة، في تقرير حديث، عن تفاصيل موجة العنف الدموية التي اجتاحت مناطق الساحل وغرب وسط سوريا، التي بلغت ذروتها في مجازر وقعت في أوائل آذار/مارس 2025. وقد خلصت اللجنة إلى أن الأفعال المرتكبة قد ترقى إلى مستوى جرائم حرب. 

ويوثق التقرير كيف وجد المدنيون من المجتمعات العلوية أنفسهم الهدف الأول لعمليات قتل وتعذيب ممنهجة، ونهب واسع النطاق، وإذلال موثق بالفيديو، مما أدى إلى مقتل مئات وتشريد عشرات الآلاف، في حلقة عنف مفرغة شاركت فيها عناصر من قوات الحكومة المؤقتة وموالون للحكومة السابقة على حد سواء.

ويبيّن التقرير الذي جاء في 102 صفحة، والمستند إلى شهادات مئات الضحايا والشهود وتحليل أدلة متعددة، سلسلة من عمليات القتل الانتقامية، والإعدامات الميدانية، والهجمات العشوائية التي استهدفت بشكل أساسي تجمعات سكانية علوية؛ وذلك في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد وسيطرة سلطة الأمر الواقع لـ “هيئة تحرير الشام” على دمشق.

وأشارت الوثيقة، التي اطلع “مدار” على نسخة منها، إلى اندلاع أحداث العنف بسرعة مقلقة في 6 آذار/مارس 2025، إثر عملية اعتقال شنتها السلطات المؤقتة، وردّ عليها مقاتلون موالون للحكومة السابقة بالقبض على مئات من أفراد القوات الجديدة وقتلهم. 

سرعان ما تفاقم الوضع ليتحول إلى أعمال عنف واسعة النطاق، أسفرت عن مقتل حوالي 1400 شخص، معظمهم من المدنيين، في المجازر التي أعقبت ذلك. وبينما كانت الغالبية العظمى من الضحايا من الرجال البالغين، شملت القائمة المأساوية ما يقارب 100 من النساء والمسنين والمعاقين، بالإضافة إلى أطفال.

سقوط نظام الأسد وبداية العنف المنظم

وشهدت البلاد منذ أوائل عام 2025 حالة من عدم الاستقرار، حيث عملت السلطة التي يقودها أحمد الشرع على تعزيز سيطرتها، بينما واجهت تحديات أمنية متزايدة من عناصر نظام بشّار الأسد. 

ووفقاً للجنة التحقيق، فإن الفترة التي سبقت شهر آذار/مارس عرفت حوادث عنف متفرقة، إلا أن العنف اتخذ طابعاً منظماً وواسع النطاق بدءاً من السادس من آذار/مارس 2025.

وفي ذلك اليوم، شنت مجموعات مسلحة تنتمي إلى القوات الحكومية السابقة، والتي يُعتقد أنها تضم ضباطاً علويين بشكل كبير، هجوماً منسقاً على مواقع تابعة للسلطات المؤقتة في محافظات حماة وطرطوس واللاذقية. وبحسب التقارير التي وثقتها اللجنة، قامت هذه المجموعات باعتقال ما لا يقل عن 200 شخص من أفراد القوات الحكومية المؤقتة، حيث تم إعدام العديد منهم. وتشير النتائج الأولية إلى أن هذه الهجمات كانت بمثابة عمليات انتقامية ممنهجة.

الهجوم المضاد..

رداً على هجوم السادس من آذار/مارس، شنت القوات الحكومية المؤقتة، مدعومة بقوات من فصائل عسكرية أخرى، عمليات عسكرية واسعة النطاق في محافظات حماة وحمص وطرطوس، والتي استمرت حتى العاشر من آذار/مارس. وتشير الوثيقة إلى أن هذه العمليات تحولت بسرعة إلى هجمات انتقامية ضد المدنيين في المناطق ذات الأغلبية العلوية. 

ووثقت لجنة التحقيق الأممية استخدام القوات الحكومية المؤقتة لشبكات التواصل الاجتماعي لنشر معلومات مضللة وخطاب الكراهية وكذلك عبر مآذن المساجد في بعض المدن، مما ساهم في تفاقم العنف.

ووقعت أشد الانتهاكات في المناطق الساحلية، حيث تحركت قوات الحكومة المؤقتة، وشنّت هجمات واسعة النطاق على قرى وبلدات في محافظات اللاذقية وطرطوس. وقد تضمنت هذه الهجمات، بحسب التحقيق، عمليات قصف مدفعي عنيف، واقتحام للمنازل، وعمليات قتل وإعدام جماعي.

أنماط ممنهجة

وتؤكد اللجنة في تقريرها أن الانتهاكات التي وقعت في آذار/مارس لم تكن حوادث فردية، بل اتبعت نمطاً ممنهجاً.

وفي هذا السياق، يشير التحقيق إلى نمط الاستهداف الطائفي، إذ أن الهجمات التي شنتها القوات الحكومية المؤقتة استهدفت بشكل أساسي التجمعات العلوية، في سياق انتقامي واضح. وقد استخدِام خطاب الكراهية والتحريض الطائفي بشكل واسع على شبكات التواصل الاجتماعي.

وقد وثقت اللجنة العديد من حالات الإعدام الميداني التي ارتكبتها كل من فلول القوات الحكومية السابقة والقوات الحكومية المؤقتة. وجرى تم إعدام أسرى حرب وجرحى، بالإضافة إلى مدنيين لا يشاركون في القتال، تضيف الوثيقة.

كما لم تسلم العديد من المرافق الطبية من الهجمات، ويعتبر التقرير الأممي أن الهجمات على مستشفى الباسل في القرداحة، وغيرها من المرافق الطبية، تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، حيث تم استهداف الجرحى والطواقم الطبية.

ووثقت لجنة التحقيق مقتل ما لا يقل عن 100 امرأة خلال الأحداث، بالإضافة إلى حالات عنف جنسي واغتصاب ارتكبتها القوات الحكومية المؤقتة في مناطق متفرقة، بينما كان الأطفال ضحايا أيضا لهذه الهجمات.

كل الأطراف متورطة

خلص التقرير إلى أن حجم وطبيعة الانتهاكات المرتكبة من قبل جميع الأطراف يرقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وتؤكد اللجنة أن القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك اتفاقيات جنيف لعام 1949، ينطبق على هذا النزاع، وأن جميع الأطراف ملزمة بحماية المدنيين.

ووفقاً لاستنتاجات التحقيق، فإن أعمال القتل العمد، والتعذيب، والمعاملة اللاإنسانية، والهجمات العشوائية، التي ارتكبتها القوات الحكومية السابقة، تشكل جرائم حرب، وبالمثل، فإن الهجمات الانتقامية، وعمليات الإعدام الميداني، والعنف الجنسي، التي ارتكبتها القوات الحكومية المؤقتة، ترقى إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

ويُعد تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة وثيقة ترسم صورة قاتمة للوضع الإنساني في سوريا خلال مطلع عام 2025، ويميط اللثام عن الأحداث الدموية التي شهدها الساحل السوري.

ويؤكد التقرير الأممي أن غياب المساءلة عن الجرائم السابقة قد أدى إلى تكرارها على نطاق أوسع وأكثر وحشية، وتختتم بالتأكيد على أن تحقيق سلام دائم في سوريا يتطلب وضع حد لدوامة العنف الانتقامي، وضمان تحقيق العدالة لجميع الضحايا، ومحاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات، بغض النظر عن انتمائهم.

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

مقالات ذات صلة

فلسطين

فلسطين لا تحتمل الانتظار

غلوب تروتر + مدار: 20 آب/ أغسطس 2025 غييرمو ر. باريتو* لم تنتهِ الحرب العالمية الثانية بتسليم جزء من ألمانيا للنازيين. لن ينتهي الصراع بتسليم