تأملات فيدل كاسترو الأخيرة

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

بيبلزديسباتش/ مدار: 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025

بقلم: بابلو ميريغيت

بعد مرور تسع سنوات على رحيله، نعود لنلقي نظرة على بعض الموضوعات الأكثر أهمية في كتابات فيدل كاسترو الأخيرة بعد تنحيه عن رئاسة كوبا.

غالباً ما ينظر إلى فيدل كاسترو كأحد القادة الأكثر شهرة في القرن العشرين. ورغم محاولات واشنطن المستميتة للإطاحة به بل وحتى اغتياله، واصل فيدل حكمه وتطوير الثورة الكوبية، التي انطلقت عام 1959 بعد الإطاحة بفولجينسيو باتيستا.

لقد كُتب الكثير عن تأملاته في تطور النضال الثوري في النصف الثاني من القرن العشرين، وعن خطاباته الشهيرة، ورؤيته الكونية التي مزجت بين أفضل ما في البراغماتية اللينينية وبين حدة التفكير النقدي المناهض للاستعمار. لكن رؤية فيدل لمستقبل البشرية خلال سنوات حياته الأخيرة، وهو نشاط تطلب ساعات طويلة من القراءة والكتابة، غالباً ما يتم تجاهلها.

في الواقع، استقال فيدل من رئاسة كوبا عام 2008، بهدف ضمان ألا يؤدي الانتقال إلى قائد آخر إلى تعريض وجود الثورة الكوبية للخطر؛ حيث اعتقد الكثيرون أن حكومة الحزب الشيوعي الكوبي ستنهار بعد وفاته.

وفي حين قال الكثيرون إن فيدل استمر في قيادة البلاد بعد استقالته، فإن الحقيقة هي أن إنتاجه من المقالات والدراسات قد زاد بشكل هائل. السياسة الخارجية، والبيئة، والانقلابات، وحتى التأملات في البيسبول والرياضة كانت كلها مواضيع غطاها كاسترو في أعماله المكتوبة الغزيرة، والتي نُشرت عموماً في الصحف الكوبية والدولية.

الحق في الحياة

أصر فيدل على أنه إذا استمر البشر في السير على طريق الرأسمالية المتوحشة، فإنهم سيتسببون في نهاية وجودهم. بالنسبة لفيدل، لم يكن تغير المناخ مجرد تحول في جوانب بيئية معينة، بل دمار للوجود البشري: “إن مواصلة المعركة والمطالبة في جميع الاجتماعات، وخاصة تلك التي عقدت في بون والمكسيك، بحق الإنسانية في الوجود… هو، في رأينا، السبيل الوحيد للمضي قدماً”.

هنا اتخذ فيدل موقفاً بعيداً عن أي نزاع أيديولوجي قصير أو متوسط المدى ليتبنى رؤية طويلة المدى، يرى بموجبها أن البشر كانوا عاجزين عن إدارة إرث عمره مليارات السنين بشكل صحيح بمجرد ظهورهم على الأرض: “[البشر] يستفيدون من إرث رائع يمتد لـ 4 مليارات سنة وفرته الأرض… عمرهم 200 ألف سنة فقط، لكنهم غيروا وجه العالم بالفعل”.

علاوة على ذلك، وجد أي نوع من الإنفاق العسكري غير مناسب بتاتاً في وجه الوصول المحتوم لنهاية البشرية. “العالم يعاني من عواقب تغير المناخ في آن واحد؛… كانت الحرب أكثر الأشياء غير الملائمة التي يمكن أن تحدث في هذا الوقت”.

الخطر النووي

قلة من الناس عرفوا عن حرب نووية وشيكة تقريباً أكثر من فيدل كاسترو. فخلال أزمة الصواريخ الكوبية، كان العالم على شفا التدمير الذاتي. لم يفارق هذا القلق كاسترو أبداً، حينما حذر من المجزرة التي ستقع بعد سنوات في فلسطين: “بمجرد أن تتخذ السفن الحربية للولايات المتحدة وإسرائيل مواقعها… ستبدأ الحرب الرهيبة”.

وعلاوة على ذلك، كان يدرك بوضوح أن حرباً واسعة النطاق، وخاصة الحرب النووية، لن تغير موازين القوى بين الطبقات الاجتماعية. وهكذا حذر من أنه بعد حرب كهذه، لن يتبقى سوى “إدارة السلع والخدمات”، وستقوم بها نفس النخب الموجودة حالياً.

الإمبريالية كأسلوب للهيمنة

لم يتخل فيدل أبداً عن فكرة أن الإمبريالية لا تزال أكثر أساليب النظام الرأسمالي تطوراً لانتزاع القيمة وإخضاع شعوب العالم الثالث. فالسياسة العسكرتارية، جوهر الإمبريالية، لا يمكنها التخلي عن تطورها أبداً، حتى لو كان ذلك على حساب احتياجات أخرى أكثر إلحاحاً.

وأكد أنه في عام 2008، كان 42% من الإنفاق العالمي موجهاً للنفقات العسكرية: “بينما يُنفق 1.5 تريليون دولار على الدفاع، يصل عدد الجياع في العالم إلى مليار”. ولم يكن هذا التفاوت صدفة، بل استراتيجية نفذتها القوى العظمى، تحت ذريعة التعاون الدفاعي، لفرض برامج ومشاريع اقتصادية تزيد من تجريد بلدان العالم الثالث من ثرواتها. وهكذا، انتقد صراحة سياسة أوباما الخارجية تجاه أمريكا اللاتينية واعتبرها حيلة للسيطرة على الأمازون.

العلم والتكنولوجيا

لم تكن ماركسية فيدل لتتجاهل التحول التكنولوجي المذهل الذي حدث خلال العقود الأولى من القرن الحادي والعشرين. وفي هذا الصدد، انصبت تأملاته غالباً على الاستخدام الذي تقوم به الشركات عابرة للحدود، أو قد تقوم به، في مجال الإنتاج.

“إذا كانت الروبوتات في أيدي الشركات عابرة للحدود قادرة على استبدال الجنود الإمبراطوريين في حروب الغزو… فإنها (تستطيع) إغراقها بروبوتات تزيح ملايين العمال”. وهكذا، أعلن فيدل عن سيرورة جديدة لانتزاع العمالة، على غرار ما قامت به البرجوازية التجارية في فجر العصر الحديث.

وهكذا، قد تعطي التكنولوجيا، وتغير المناخ، والإمبريالية، وما إلى ذلك، انطباعاً بتشاؤم جامح. ومع ذلك، فإن الاعتقاد بذلك قد يكون خطأ. صحيح أن هناك قدراً كبيراً من الحذر والقلق في تأملات فيدل الأخيرة، لكن لا ينبغي الخلط بين هذا وبين التخلي عن النضال الجماعي.

دعت نصوص كاسترو الأخيرة دائماً إلى التنظيم، وإلى عدم التخلي عن قوة الإرادة، ومواصلة التفكير والعمل نحو مستقبل آخر، مستقبل لا يقع تحت رحمة مخططات القلة. باختصار، كما ذكر رومان رولان وكما روج لها غرامشي، طبّق فكر فيدل تماماً مقولة: “تشاؤم العقل، تفاؤل الإرادة”.

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

مقالات ذات صلة

كوبا

تأملات فيدل كاسترو الأخيرة

بيبلزديسباتش/ مدار: 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025 بقلم: بابلو ميريغيت بعد مرور تسع سنوات على رحيله، نعود لنلقي نظرة على بعض الموضوعات الأكثر أهمية في