مدار: 30 مارس/ آذار 2022
منذ قمة وارسو التي شهدت تعهد حلف الناتو بتعزيز شراكته مع الاتحاد الإفريقي وإفريقيا، انطلقت تحركات متسارعة للحلف في المنطقة، تم تتويجها بإنشائه قطبا معنيا بشؤون الجنوب، تم اتخاذ نابولي مقرا له عام 2017.
ورغم أن العديد من الخرجات الإعلامية الأخيرة لمسؤولي الناتو، مع ازدياد انتقاده في ما يخص الوضع في أوكرانيا، تتحدث عن أن الحلف لا توجد لديه خطط للتوسع في مناطق بعيدة عن الدول الأعضاء، إلا أن تلك تبقى مجرد أحاديث للتصدير للإعلام في إطار الحملة التي يشنها على مختلف المنصات من أجل تبرئة اسمه.
ولعل أبرز دليل على ذلك تقرير نائب الرئيس السابق للجمعية البرلمانية لحلف الناتو في 2019، الذي حمل في طياته حثا على لعب دور أكبر في القارة الإفريقية، وهو ما تم التقاطه من خلال تصريحات لأمين عام الناتو، ينس ستولتنبرغ، خلال اجتماع مع الدول الأعضاء ببروكسل في 20 نونبر/ تشرين الثاني 2021، أياما قبل التدريبات العسكرية التي قام بها الحلف في إيطاليا، وعبر فيها عن أن التحالف ملزم بـ”دراسة احتمالات توسيع شراكاته مع الدول في منطقة الساحل، وذلك عبر التدريبات العسكرية التي ستجرى في إيطاليا، والتي ستعرف التحضير لعمليات عسكرية في منطقة الساحل”.
مناورات تحاكي حروبا في ذهن الناتو.. وتدخل في الدول الإفريقية عبر طرق ملتوية
مما لا شك فيه أن الناتو لا يترك أي فرصة إلا ويعمل على تنزيل مناورات تجسد حروبا على نطاق واسع، وفي مناطق بعيدة جدا، ما يجعل مسألة استمرار الحلف رهينة بابتكار وإيجاد حروب تتم من خلالها إطالة عمره، ما يجعل من تصريحاته بأن تواجده له هدف واحد، ألا وهو حماية الدول الأعضاء، مجرد أوهام يتم ترويجها للتغطية على الهدف الأساس.
ومن المناورات التي لاقت نقاشا مطولا تلك التي تم تنظيمها في 24 من نونبر/ تشرين الثاني 2021، وعرفت مشاركة 31 دولة؛ واعتبرت محاكاة للاستجابة ليس لطلب دولة عضو، بل لطلب من دولتين إفريقيتين لم يتم ذكر اسمهما في المقطع الدعائي للحدث.
وقام الحدث على محاكاة مواجهة 298 من الميلشيات والجماعات الإرهابية على خلفية أعمال عنف “عرقية ودينية وطائفية”، رغم أن التقارير حول هذا النوع من الجماعات تتحدث عن أن العدد أقل من ذلك بكثير، ما يضعنا أمام مسألة أن التحالف يريد إيجاد موطئ قدم له في القارة، بعد أن خرجت العديد من التظاهرات في عديد البلدان الإفريقية ضد تواجد قوات خارجية؛ بل إن بعض الدول قامت بطردها.
هذا الأمر ينقلنا إلى ما قامت به فلورنس بارنلي، وزيرة الجيوش الفرنسية، في يونيو/ أيار من العام الماضي، حين وقعت اتفاقا مع إحدى وكالات الأمن القومي (NSPA) التابعة للحلف، ومقرها لوكسنبرغ، وهكذا دخلت الوكالة التي شاركت عام 2021 في أفغانستان وكوسوفو والعراق وليبيا إلى مالي.
وحسب الوثيقة ذاتها فإن الوكالة المذكورة، وفي إطار الإستراتيجية لأعوام 2021-2025، تستعد للتدخل في دول إفريقية أخرى؛ وتتمثل المهمة الرئيسة، حسبها، في تقديم الخدمات اللوجستية لعملية تاكوبا المتمركزة في مخيم ميناكا، وهي تشمل “خدمات التموين، والخدمات الأساسية (بما في ذلك خدمات غسيل الملابس ومكافحة الآفات)، والخدمات الهندسية وخدمات الوقود”.
هذا يدفعنا إلى طرح سؤال ذي أهمية كبيرة، ألا وهو من سيضطر إلى أداء مصاريف هذه المتطلبات لجيوش الناتو؟ مما لا شك فيه أن البلدان المستقبلة هي التي سيلقى على عاتقها تحمل تبعات رفاهية الجيوش التي تقيم على بلدانها، وهو ما يزيد من إثقال ميزانيات هذه البلدان بمصاريف تغرقها في ديون لا طائلة منها بالنسبة للشعوب المنهكة.
عندما تطرق نكروما لموضوع القواعد العسكرية
نشر الرئيس الغاني السابق كوامي نكروما، عام 1965، كتابا بعنوان “الاستعمار الجديد: المرحلة الأخيرة من الإمبريالية”، حيث سلط في جزء منه الضوء على ظاهرة القواعد العسكرية، التي كانت تعتبر شائعة في تلك المرحلة من الاستعمار مع وجود قواعد عبر القارة من القاعدة البريطانية في سالزبوري (هراري الحالية، زمبابوي) إلى القاعدة الفرنسية في الجزائر، ومن قاعدة ويلوس الجوية إلى المواقع العسكرية في طبرق والأديم.
وفي مقابل ثكنات تلك القوات، قدمت المملكة المتحدة والولايات المتحدة لليبيا ما قالتا إنها “مساعدات” في ميادين مختلفة، فيما قال نكروما إنها كانت بحق دفعة وتمهيدا لخسارة السيادة، وأعطى في مقابل ذلك شرحا لتقييم دوافع هذه القواعد.
ووفقا لتقييم نكروما فإن “أي قوة عالمية عندما تضع الخطوط الإستراتيجية التي ستحدد مسارها فإنه من الضروري أن تكون لها قاعدة عسكرية في دولة مستقلة ما، على أن تكون هذه الدولة مصنفة من ضمن الدول الصديقة، ومن هنا تبدأ عملية البلقنة”.
وأضاف نكروما: “إذا كان من الممكن وضع القاعدة في بلد لا يعتبر الوضع الاقتصادي مستقرا ولا يمكنه البقاء إلا من خلال المساعدات التي توفرها هذه القوات، آنذاك سيكون هناك سبب آخر لحماية هذه القاعدة من كل خطر داخلي، لكن هذا الافتراض أثبت خطأه مثل العديد من الافتراضات التي يقوم عليها الاستعمار الجديد، وهذا راجع إلى أن وجود القواعد الأجنبية يثير العداء الشعبي للممارسات الاستعمارية الجديدة، وكنتيجة لذلك، وفي جميع أنحاء إفريقيا، تختفي هذه القواعد بشكل متسارع. ويمكن الاستشهاد بليبيا كمثال على فشل هذه السياسة”.