مدار: 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025
بقلم: موسى أبو هشهش
لم يحدث في تاريخ الأمم المتحدة أن تقدمت الولايات المتحدة بمشاريع قرارات لصالح الفلسطينيين، وما كان، وما يعرفه الجميع، كان دائمًا إفشال جميع القرارات المتعلقة بإنصاف الفلسطينيين، وليس أكثر وضوحًا على ذلك استخدام حق النقض ضد عشرات القرارات الدولية، ومن بينها تلك التي طالبت بوقف إطلاق النار في غزة رغم موافقة أغلبية أعضاء مجلس الأمن، وفي تحدٍّ سافر ووقح للمجتمع الدولي ودعم أعمى للفاشية الصهيونية.
أليست مفارقة عجيبة أن تتقدم الولايات المتحدة بمشروع قرار يدّعي من صاغه أنه يهدف لتثبيت وقف إطلاق النار (الذي لم يتوقف لحظة واحدة)، وأحلام السلام في المنطقة؟ وأليست مفارقة أخرى أن تؤيد الدول العربية والإسلامية الثمانية التي اجتمع بقادتها ترامب في نيويورك مشروع القرار، بينما ترفضه روسيا والصين بالتلويح بتقديم مشروع قرار روسي أكثر وضوحًا فيما يتعلق بالحقوق السياسية للفلسطينيين وحق تقرير مصيرهم الذي يتجاهله مشروع القرار الأميركي أو يتعاطى معه بطريقة إنشائية وغامضة ودون أي ضمانات؟
أليس واضحًا للوسطاء، ومن بينها مصر وقطر وتركيا، أن رفض الفصائل الفلسطينية في بيانها حول مشروع القرار الأميركي، والتحذير من تمريره، يؤكد خطورته وانحيازه للطرف المعتدي؟
أما فيما يتعلق بإسرائيل، التي لم تكتف فقط بانحياز مشروع القرار لأجندتها العدوانية في غزة، فهي تطالب بأن يمرّر القرار بموجب الفصل السابع، والذي يعني استخدام القوة من قبل قوات حفظ السلام لتفكيك المقاومة ونزع سلاحها وإحكام السيطرة على الأرض، وفرض الأمن بأيادٍ دولية قذرة تستخدم القوات الدولية كوكيل أمني يبقي غزة تحت الاحتلال لمدة عامين قابلة للتجديد بتفويض أممي، وبادعاء أن عملية السلام جارية وأن أي اعتراض إنما هو اعتراض على مبدأ السلام.
والأنكى أن إسرائيل أيضًا لم تكتفِ بالصمت حيال مشروع القرار الأميركي، فيأتي تصريح نتنياهو الاستباقي بأنه لن تكون هناك دولة فلسطينية في المستقبل، وتصريحه الآخر بأنه لا يعرف متى ستعود الحرب في غزة، ليؤكد أن خطة ترامب ليست إلا الطريقة الناعمة لاستمرار حرب الإبادة، وأن ما لم يتحقق بالقوة العسكرية سيتحقق بخطة ترامب وتفويض من مجلس الأمن وبتأييد المجتمع الدولي وقبول الوسطاء.
مشروع القرار الأميركي، وحتى بعد التعديلات الشكلية عليه لمنع تقديم المشروع الروسي ولضمان تمريره بالأغلبية، وربما لضمان امتناع روسيا والصين عن التصويت من أجل تمريره، سيكون أخطر مشروع أممي لتصفية القضية الفلسطينية، إذ لن يستطيع أحد الاعتراض على التنفيذ وعلى تجديد التفويض بعد عام 2027 كما ينص القرار، حتى تتحقق أهداف خطة ترامب بالكامل، والتي ستضع قطاع غزة تحت السيطرة الكاملة للولايات المتحدة بقيادة مجلس السلام الذي يترأسه ترامب نفسه وبإشراف جاريد كوشنير، الذي ستصبح غزة له أرضًا خالية وخصبة للاستثمار، وقد تكون خالية أيضًا للاستيطان.
أيضًا فإن تمرير مشروع القرار الأميركي في مجلس الأمن سينهي الجدل الدولي حول الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وسيجفف التضامن الدولي مع الفلسطينيين إلى الحد الأدنى تحت شعار توطيد السلام وإعمار غزة، وبعبارات فضفاضة حول مستقبل الفلسطينيين وقضيتهم. والأخطر من كل ذلك تسليم مفاتيح القضية الفلسطينية للولايات المتحدة التي ستتنصل من ضماناتها ولن تتنصل من تحالفها الأعمى مع إسرائيل، ليس الآن ولكن في المستقبل.
لا يُعرف إذا كانت روسيا والصين ستستخدمان حق النقض لإفشال مشروع القرار الأميركي، أو أنه سيمر بامتناعهما وربما الامتناع عن التصويت. ورغم ذلك، ورغم أن قرارات مجلس الأمن هي قرارات لا تنفذ في الغالب، لكن إقرار مشروع القرار الأميركي سيكون بمثابة السيف المسلط في وجه من يفكر في الاعتراض على التنفيذ بالطريقة الأميركية، إذ لن يكون بالإمكان نسخ القرار بقرار آخر من مجلس الأمن الذي ستستخدم ضده الولايات المتحدة حق النقض كما فعلت دائمًا.
إذا مرّ مشروع القرار فسينتهي دور الوسطاء، وسيكون دورهم كشهود زور على تصفية القضية الفلسطينية واستمرار حرب الإبادة. كما سيكون الوقت متأخرًا جدًا للتوقف وإعادة النظر في خطة ترامب للسلام التي سيكسبها مجلس الأمن المصداقية، والتي سيكون فيها هو الآخر شاهد الزور الأكبر على ضياع غزة من الفلسطينيين.

