مدار: 29 كانون الأول/ ديسمبر 2021
كاترين ضاهر
عشية موسم الأعياد والاستعداد لاستقبال العام الجديد، استفاق اللبنانيون على “طوابير الذل” مجدداً، ولكنها احتشدت هذه المرة أمام أبواب المصارف، وتستحق تسميتها “طوابير الزحف”، بعد مشاهد الإذلال المهينة للعسكريين التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وتناقلتها نشرات الأخبار المحلية.
وربما هي المرة الأولى التي يضطر فيها أفراد من الجيش اللبناني والقوى الأمنية إلى مواجهة زملاء لهم، أثناء مأذونيتهم (عطلتهم الأسبوعية)، في محاولات بائسة بسبب الازدحام لمنعهم من الدخول إلى حرم المصارف للاستفادة من التعميم رقم 161، الذي أقره حاكم المصرف المركزي رياض سلامة كمحاولة فاشلة للالتفاف على تفلت سعر صرف الدولار في السوق الموازية.
وتوحد المشهد أمام المصارف وداخلها في كافة المناطق اللبنانية يوم الخميس الماضي 23 ديسمبر الجاري، بين أناس احتشدوا في طوابير للاستفادة من هذا التعميم الطارئ والمحدد لبضعة أيام، ما أدى إلى وقوع إشكالات متعددة جرّاء الازدحام وتهافت الموظفين والمودعين الذين تُصادر المصارف أموالهم. ونتيجة لذلك سارع المصرف المركزي إلى تمديد مهلة السحب من الودائع الدولارية حتى 31 كانون الثاني/يناير المقبل، قابلة للتجديد.
ويتيح التعميم 161 لفئة كبيرة من اللبنانيين، من بينهم العسكريون وموظفو القطاع العام، صرف رواتبهم بالعملة الوطنية بالدولار، وفق تسعيرة منصة صيرفة (Sayrafa)، بعد أن حصرت المصارف اللبنانية تعاملاتها فقط بالعملة الوطنية، حتى للمودعين الذين يمتلكون حسابات بالدولار الأميركي.
هذه المرة لم تقدم القوى الأمنية، كعاداتها، على قمع المتظاهرين في الساحات دفاعاً عن حقوق اللبنانيين، ومن ضمنهم أفراد الجيش، بعدما لم تتورع يوماً، ولاسيما خلال احتجاجات “انتفاضة 17 أكتوبر” عام 2019، عن استخدام القمع الوحشي تجاه فئة من الشعب قررت مواجهة هذه المنظومة الحاكمة وفسادها. فلم تغب عن أذهان الكثير من اللبنانيين مشاهد استخدام الرصاص الحي والمطاطي المباشر، وقنابل الغاز المسيل للدموع، ما أدى إلى وقوع إصابات واسعة ضمن صفوف المنتفضين، منها إصابات خطيرة، مثل بتر أطراف الأصابع وفقء الأعين… لذا سارع من هتف سابقاً في تلك التحركات الشعبية: “يا عسكر خليك معنا، شلاح البدلة والحقنا”، و”عسكر على مين؟!”، إلى التضامن مع الجندي الزاحف في مقطع الفيديو المتداول من جهة، ومن جهة أخرى لم يخف البعض “شماتتهم” تحت ذريعة أن الجندي يحرس هذه السلطة، حسب تعبيرهم.
النقابات تستنكر…
استنكر رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان، كاسترو عبدالله، في بيان صحافي، “المشهد الذي أظهرته وسائل الإعلام للقوى العسكرية أمام المصارف”، واصفاً إيّاه بـ”المهين في حق الوطن والكرامة الوطنية”، والذي “يقلل من شأن الهيبة العسكرية لجيشنا الوطني ولكل الأجهزة الأمنية”.
وسأل كاسترو: “لماذا لم يدفع للمواطن هامش الربح، أي الفرق المالي بين قبض المعاش بـ’الفريش دولار’ وإعادة صرفه في السوق السوداء حتى يحقق الربح، وهو فرق الصرف الذي لا يتعدى أكثر من 500 ألف ليرة كزيادة على الراتب؟”، موضحاً أن “الهدف من التعميم 161 هو المزيد من إذلال شعب لا ذنب له سوى أنه أراد الحياة ومحاكمة الفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة على مدى 30 عاماً”.
وطالب رئيس الاتحاد القضاء بـ”التحرك السريع وتوقيف حاكم مصرف لبنان ومحاكمته هو وحيتان المال، ووقف العمل بالتعميم 161 الذي يهدف إلى القضاء على ما تبقى من الودائع في المصارف”، داعياً الشعب اللبناني إلى “عدم الانجرار خلف لعبتهم القذرة وهندساتهم المالية وتعميماتهم الكارثية لنا والممتازة لهم، ورفض قبض الراتب على منصة 23 ألف ليرة”، وإلى التظاهر والاعتصام أمام المصارف والمطالبة بالإفراج الفوري عن الودائع لديها.
وجدّد التنظيم النقابي دعوته إلى “إعلان العصيان المدني الشامل لإسقاط حكومة صندوق النقد الدولي، وإعلان ثورة وجع الإنسان بهدف استكمال انتفاضة 17 تشرين المجيدة”.
التعميم 161
شهدت المصارف اللبنانية زحمة كبيرة يومي الخميس والإثنين، نتيجة إقبال المواطنين الذين يملكون حسابات بالليرة اللبنانية على سحب رواتبهم بالدولار الأميركي على سعر منصة صيرفة، وفقاً لتعميم رقم 161، ينصّ على دفع المصارف السحوبات النقدية لعملائها سواء بالليرة أو بالدولار، وفق الحدود المعتمدة لدى كلّ مصرف، على أن تكون بـ “الفريش دولار”، وفق سعر الصرف المعتمد على منصّة صيرفة، والوارد في اليوم السابق للسحب.
وتعقيباً على التعميم 161، سارعت جمعية المصارف إلى التأكيد أنه “النمط الذي أصبح سائداً، ويهدف إلى إثقال المصارف بالتزامات قانونية ونظامية لا طاقة لها على تحملها”، على حد قولها.
وسبّب هذا التعميم إرباكاً للمصارف يوم الخميس بسبب تهافت المواطنين على الاستفادة منه قبل انتهاء مفعوله ضمن المهلة التي حدّدها مصرف لبنان في نهاية الشهر الجاري، ثم مدّدها لاحقاَ حتى أواخر الشهر المقبل.
أما السبب الآخر لهذا التهافت فهو تحقيق أرباح ضئيلة والاستفادة من الفرق بين سعر منصة صيرفة وسعر السوق الموازية.
ولكن اليوم، أي اليوم الثالث من الاستفادة من التعميم 161، تراجع الإقبال على المصارف، لاسيما في المدن، وذلك بسبب ارتفاع سعر منصة صيرفة من 21 ألف ليرة إلى 24 ألف ليرة، ليبدأ الاقتراب تدريجياً من سعر السوق الموازية منذ اليوم الثاني من تنفيذ التعميم، إذ انخفضت نسبة الاستفادة منه، وبالتالي تقلصت نسبة الربح، ليصبح الفارق فقط 3 آلاف ليرة لبنانية.
يُذكر أن الدولار سجل على سعر المنصة 22.200 ل.ل يوم الخميس الماضي، وفي المقابل سجل سعر الصرف بالسوق الموازية 27 ألف ل.ل. وحسب هذه الأسعار، حصل المواطن الذي تقاضى راتباً قدره مليون ليرة على 45$ من المصرف وفقاً لسعر المنصة، وفي حال استبدل دولاراته بالعملة اللبنانية في السوق الموازية فيصبح المبلغ 1.215.000 ليرة، وبالتالي تكون نسبة الربح 215 ألف ليرة، نتيجة الفرق بين سعر المنصة وسعر السوق. ولكن بعد ارتفاع سعر المنصة يوم الجمعة إلى 24 ألف ليرة، أصبح راتب المليون ليرة يوازي 41.5 $، أي 1.125.000 ليرة لبنانية في السوق الموازية، ما يعني أن نسبة الربح انخفضت من 215 ألف ليرة إلى 125 ألف ليرة للراتب نفسه في يوم واحد.
يُشار أيضاً إلى أن العديد من المصارف تعتمد المزاجية في تطبيق التعميم 161، فمنها التي تأخرت في تنفيذه، تحت ذريعة انتظار قرار الإدارة؛ وفي المقابل، قامت بعضها بالتحايل على عدد من الموظفين، مثل “الأساتذة المستعان بهم في الدوام المسائي”، إذ أقدمت على تحديد سقف معين للاستفادة من التعميم، وهو فقط 50 $، كمصرف لبنان والمهجر؛ وهناك بعض المصارف التي حرمتهم من الاستفادة منه كلياً، وكأنه لا يكفيها أن وحدة التعليم الشامل في وزارة التربية اللبنانية تقتطع في الأصل نحو 99% من راتبهم، بحيث يتقاضون فقط 20 ألف ليرة لبنانية بدل الحصة (أي أقل من دولار واحد)، مع العلم أن الدول المانحة تدفع للدولة اللبنانية 20 $ للحصة.
أسعار الصرف
لا يوجد سعر صرف واحد في لبنان، فالسعر الرسمي 1507 ليرة.ل، لكن لا وجود له إلّا على أوراق المصرف المركزي وبعض المعاملات، كفواتير الاتصالات… وبعد تفاقم الأزمة النقدية حدد مصرف لبنان مبلغ 3900 ل.ل سعرا للصرف، ليسترد المودعون بعض أموالهم بالعملة الأميركية؛ كما حدد مؤخراً سعر صرف جديد للسحب من الودائع الدولارية بالليرة اللبنانية في 9 الشهر الجاري، عبر رفع سعر صرف الدولار الأميركي إلى 8 آلاف ليرة لمن يرغب في الاستفادة من التعميم 151 لأصحاب الودائع الدولارية.
أما منصة صيرفة فهي منصة إلكترونية أطلقها مصرف لبنان في أيار/ مايو الماضي لتأمين عملية بيع وشراء العملات الأجنبية النقدية، وتحديداً الدولار، بسعر يحدد العرض والطلب الموجّه إلى المصارف والصرافين لشراء الدولار وبيعه في السوق، على أن تكون هذه العمليات متاحة للتجار والمستوردين والمؤسسات وأيضاً للأفراد العاديين، شرط تأمين مستندات ومعلومات محددة.
وسعر منصة صيرفة تحدده حركة السوق، في محاولة للحد من المضاربات والسيطرة على الدولار، ويقابله سعر الصرف بالسوق الموازية، الذي يتأرجح صعوداً أكثر.
وهناك تعميم آخر رقم 158، أصدره مصرف لبنان منذ أشهر، يجيز لأصحاب الحسابات المفتوحة بالدولار الأميركي قبل تشرين الأول/أكتوبر 2019 سحب 400 دولار أميركي شهرياً نقداً، و400 دولار على سعر 12000 ليرة لبنانية للدولار، نصفها نقداً والنصف الآخر على البطاقات الائتمانية.