أكثر من مليار شخص في العالم يعانون من أمراض عقلية : المراسلة 39 (2025)

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 25 أيلول/ سبتمبر 2025

فيجاي براشاد

سمعتُ كلمة “اكتئاب” لأول مرة عندما كنت في السادسة عشرة من عمري. أخذتني أمي إلى المعهد الوطني للصحة العقلية وعلوم الأعصاب (NIMHANS) في بنغالورو بالهند، لتعرضني على أخصائي بخصوص ما كنت أعتبره مجرد كوابيس وفترات عصيبة بعد الظهر. لقد كنت محظوظا. فاليوم، لا يتلقى سوى 9% من الناس في العالم علاجًا للاكتئاب. تحدث معي الطبيب مطولاً، وقضيت عدة أيام في المعهد أتلقى العلاج من قِبَله ومن أطباء آخرين. كان من الواضح لي أن مشاكلي تنبع إلى حد كبير من حادثة مؤلمة وقعت قبل بضع سنوات، عندما تعرضت للاغتصاب في مدرستي.

وقف والدايْ إلى جانبي خلال هذه التجربة، ومنحاني الشجاعة لتجاوز تبعاتها، وقاموا بحمايتي مما اعتقدا أنه سيكون الإذلال المطلق الذي قد يسببه كشف العنف على الملأ. ما زلت ممتنا لهما لكونهما لطيفين ومتفهمين، وللسماح لي بأخذ الوقت الذي أحتاجه قبل أن أكون مستعدا للحديث بصراحة عن أمر لا يستوعبه عقل طفل، ولا ينبغي له أن يفعل. في الواقع، إن تجربة الاكتئاب وتأثيرها على تقدير الذات تستمر طوال حياة المرء. تساعد الأدوية، وكذلك حب الأصدقاء، ولكن لا يوجد “علاج” يمكّن من التغلب على تعقيدات الأذى الذي حصل.

على مر السنين، كان عليّ أن أواجه في خلوتي الخزي الهائل الذي يصاحب مثل هذه التجارب وانعدام اليقين بشأن وقائع الحادث (هل كنت أنا من شجّعه؟). هذا الخزي شعور شائع لدى أولئك الذين واجهوا مثل هذه الأفعال، وهو أمر يَسِم الناس منذ لحظة وقوع الحادث الصادم حتى وفاتهم، كما يتضح من المعدل الأعلى بكثير للوفيات الناجمة عن الانتحار بين الأشخاص الذين تعرضوا لمثل هذا العنف في شبابهم. لأسباب وجيهة، لا يمكن التقليل من أهمية الأدوية والتدخل العلاجي. ولكن، في عالم يولي اهتمامًا أكبر لسداد الديون وشراء الأسلحة، مع تراجع الإنفاق على الرعاية الصحية، فإن الدعم المقدم للصحة العقلية في أدنى مستوياته على الإطلاق.

ألكسندر ‘سكوندر’ بوغوصيان (إثيوبيا)، مفترق طرق، 1997.

أحد أسباب كوني مناصرا قوية لوكالات الأمم المتحدة، وخاصة منظمة الصحة العالمية، هو أن هذه المؤسسات تراقب عن كثب مشاكل الصحة العقلية والنقص الفاضح في تمويل بنيات الدعم المخصصة لأولئك الذين يواجهون هذه التحديات. وقد وجد تقريران على وجه الخصوص – أطلس الصحة العقلية 2024 والصحة العقلية في العالم اليوم (وكلاهما نُشر في عام 2025) – أن أكثر من مليار شخص يعانون من اضطراب عقلي. وخلافًا للرأي السائد، فإن معظم الذين يعانون من هذه الأمراض يعيشون في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. وأكثر الأمراض شيوعًا هي القلق والاكتئاب، وتتأثر النساء بها بشكل أكبر.

تتعرض النساء أيضًا لمعدلات أعلى من العنف في المنزل، مما يؤدي إلى زيادة الإرهاق النفسي، كما أن النساء اللاتي يعانين من تحديات صحية عقلية حادة أكثر عرضة للعنف الجنسي وغيره من أشكال العنف. ومع ذلك، وبشكل لافت، تجد دراسات منظمة الصحة العالمية أن النساء أقل قدرة على الوصول إلى العلاج لمجموعة من الأسباب. وتُظهر دراسة من الهند، استشهدت بها منظمة الصحة العالمية، “أن النساء المصابات بالاكتئاب كن أكثر عرضة بثلاث مرات من النساء الأخريات لإنفاق أكثر من نصف نفقات أسرهن الشهرية على تكاليف الرعاية الصحية المدفوعة من أموالهن الخاصة”. هناك ثلاثة عوامل – التكلفة والوصم الاجتماعي والخوف – تعيق عملية الرعاية الصحية والانصاف القانوني لأولئك الذين يعانون من أمراض الصحة العقلية.

دينغ ليرين (الصين)، جرادة الحرير الوردية، 2019.

المعطيات مروعة. يمثل متوسط الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية العقلية حوالي 2% من ميزانيات الصحة، وهو رقم لم يتغير منذ عام 2017. تم إنفاق 9.89% فقط من الناتج المحلي الإجمالي العالمي على الرعاية الصحية في عام 2022، على الرغم من أن أرقام الإنفاق العالمي على الرعاية الصحية مضللة تمامًا لأن جزءًا كبيرًا منها يُنفق في بلدان الشمال العالمي على شركات التأمين والتدخلات باهظة الثمن التي تشوه البيانات. يبلغ متوسط الإنفاق العام على الرعاية الصحية في بلدان الجنوب العالمي 1.2% من الناتج المحلي الإجمالي اعتبارًا من عام 2022، حيث تنفق 141 حكومة أقل من المعيار المرجعي لمنظمة الصحة العالمية للإنفاق على الرعاية الصحية البالغ 5% من الناتج المحلي الإجمالي (أشار رقم مماثل في تقرير عام 2010 إلى أن عتبة 6% من شأنها أن تمنع ارتفاع النفقات الشخصية المباشرة). وبينما تنفق البلدان مرتفعة الدخل 65 دولارًا للفرد على الرعاية الصحية العقلية، تنفق البلدان منخفضة الدخل 0.04 دولار للفرد.

في وقت تنفق فيه الدول الفقيرة حوالي 6.5% من عائدات صادراتها لخدمة الدين الخارجي بينما ترتفع نفقات الجيش والشرطة في العالم بشكل صاروخي، من المستبعد أن تمتلك معظم البلدان الإرادة السياسية لتحويل أولوياتها من التدمير الاجتماعي إلى الرعاية الاجتماعية.

أوغسطين ليساج (فرنسا)، بدون عنوان، 1923.

ما هو أثر الفشل في بناء نظام رعاية صحية قوي، بما في ذلك نظام للرعاية الصحية العقلية؟

  1. إن عدد الأشخاص الذين تفقدهم البشرية بسبب الانتحار مرتفع بشكل فاضح. تفيد التقارير بأن أكثر من 720 ألف شخص ينهون حياتهم كل عام، أي حوالي 8 أشخاص لكل 100 ألف شخص. ومعدلات انتحار الشباب إما مستقرة أو آخذة في الارتفاع، حسب البلد (آخر البيانات الموثوقة حول هذا الموضوع تعود إلى عام 2021). وقد وقع ما يقرب من ثلاثة أرباع حالات الانتحار في العالم في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. ففي البلدان الأفريقية على سبيل المثال، هذه الأرقام في ارتفاع، حيث تبلغ حاليًا 11.5 شخصًا لكل 100 ألف شخص.
  2. وجد تقرير حديث لمنظمة الصحة العالمية أن مئة شخص يموتون بسبب الوحدة كل ساعة، أي ما مجموعه 871 ألف حالة وفاة سنويًا. ويوضح التقرير أن من بين مسببات الوحدة أو العزلة الاجتماعية “سوء الصحة الجسدية أو العقلية (خاصة الاكتئاب)، والسمات الشخصية مثل الاستعداد العصابي، وعدم وجود شريك أو عدم الزواج، والعيش وحيدًا، وخصائص البيئة العمرانية مثل صعوبة الوصول إلى وسائل النقل العام”. يمكن التغلب على معظم هذه المسببات من خلال زيادة الترابط الاجتماعي عبر إصلاحات بسيطة مثل تحسين وسائل النقل العام، والمراكز الثقافية، ومراكز الرعاية المجتمعية.
  3. العاملون في مجال الصحة العقلية أنفسهم عرضة للتحديات العقلية والجسدية بسبب الإرهاق في العمل ونقص الدعم. لا يوجد سوى 13 عاملاً في مجال الصحة العقلية لكل 100 ألف شخص، بينما لا تستطيع البلدان منخفضة الدخل توفير سوى عامل واحد في هذا المجال لكل 100 ألف شخص. ثلثا دول العالم، ومعظمها من الدول الفقيرة، لديها طبيب نفسي واحد فقط لكل 200 ألف شخص. إن الضغط الذي يفرضه هذا على الأشخاص ذوي القلوب الرحيمة الذين يدخلون هذه المهنة هائل. البلد الوحيد منخفض الدخل الذي قابلت فيه أخصائيين في الصحة العقلية سعداء حقًا هو كوبا، حيث يوفر النظام أكبر قدر ممكن من الدعم لأولئك الذين يعملون على المستوى المحلي في مواجهة كل الصعاب مع سكان منهكين عصبيًا بسبب تأثير العقوبات.
  4. تظهر الأبحاث المتخصصة في مجال الرعاية بوضوح أنه من الأفضل بكثير علاج الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية عقلية حادة من خلال مراكز الرعاية المجتمعية الموجودة بالقرب من منازل أسرهم بدلاً من مستشفيات الأمراض النفسية التي غالبًا ما تكون كبيرة جدًا وعقيمة. ومع ذلك، فإن أقل من دولة واحدة من كل عشر دول انتقلت من أنظمة مستشفيات الأمراض النفسية إلى أنظمة الرعاية المجتمعية (إن كانت هذه الأنظمة موجودة لديها أصلاً)، والعديد من تلك الدول هي دول اشتراكية. تسمح مراكز الرعاية المجتمعية المحلية بإدماج جميع الأشخاص بشكل أفضل في المجتمع، وتتيح للعاملين في مجال الصحة العقلية فهمًا أفضل للتاريخ النفسي والاجتماعي الكامل لمرضاهم والمجتمعات التي ينتمون إليها. وبالتالي، يصبح العلاج اجتماعيًا وطبيًا في آن واحد.

يجب أن ننفق المزيد من ثروتنا الاجتماعية على الرعاية وأقل على الموت والديون.

عمران قريشي (باكستان)، تنوير معتدل، 2007.

عندما تعرفت على ألبوم بينك فلويد “الجانب المعتم من القمر” (1973) في سن المراهقة، كان ذلك بمثابة اكتشاف مذهل. كنت أجلس في شقتنا بعد الظهر، بينما يتسلل ضوء كولكاتا عبر الأشجار الكبيرة في الخارج وينساب صوت الترام إلى الغرفة، وأستمع إلى الألبوم مرارًا وتكرارًا. من الصعب أن أشرح ما الذي عنَاه لي أن أغمض عيني وأحلّق في عالم أغنية “تنفس (في الهواء)”:

تنفس، تنفس في الهواء.
لا تخف من الاهتمام.
ارحل، لكن لا تتركني.
انظر حولك واختر أرضك.

عش طويلاً وحلق عالياً
وستمنح ابتسامات وستذرف دموعًا
وكل ما تلمسه وكل ما تراه
هو كل ما ستكون عليه حياتك.

أركض، أيها الأرنب، أركض.
أحفر تلك الحفرة، وانس الشمس،
وعندما ينتهي العمل أخيرًا
لا تجلس
فقد حان الوقت لحفر حفرة أخرى.

عش طويلاً وحلق عالياً
ولكن فقط إذا ركبت الموجة
وتوازنت على أكبر موجة
فإنك تسابق نحو قبر مبكر.

لطالما شعرت أن هذه الأغنية هي التي أبقتني على قيد الحياة، إلى جانب حب والديّ، وروزي صموئيل، وعائلتي ورفاقي.

تمهل، أيها الأرنب، أنظر إلى الشمس.

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

مقالات ذات صلة