أفريقيا ضحية جانبية لصراع في مكان بعيد (عدد 22. 2022)

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 12 شتنبر/ أيلول 2022

فيجاي براشاد*

<أمادو سانوغو (مالي)، يمكنك إخفاء فزعك، لكن لا يمكنك إخفاء فزع الآخرين، 2019>

أحيا رئيس الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد في 25 مايو/أيار 2022 ذكرى تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية عام 1963، التي أعيد تشكيلها لاحقاً باسم الاتحاد الأفريقي في 2002، وذلك بخطاب ينذر بالخطر، حيث قال: “أصبحت أفريقيا الضحية الجانبية لصراع في مكان بعيد، الصراع بين روسيا وأوكرانيا”. لقد أدى هذا الصراع إلى زعزعة “التوازن الجيوسياسي والجيو-استراتيجي العالمي الهش”، وهو ما ألقى “بضوء قاسٍ على الهشاشة الهيكلية لاقتصاداتنا”، حيث تم الكشف عن نقطتي ضعف رئيسيتين جديدتين: أزمة غذائية يزيد من حدتها تغير المناخ، وأزمة صحية تسارعت بسبب فيروس كورونا.

في حين تتمثل نقطة الضعف الثالثة التي طال أمدها في أن معظم الدول الأفريقية لديها القليل من الحرية لإدارة ميزانياتها، مع ارتفاع أعباء الديون وزيادة تكاليف السداد. وفي هذا الصدد قال أبيبيه ايمرو سيلاسي، مدير الإدارة الأفريقية في صندوق النقد الدولي، إن “معدلات الدين العام تبلغ أعلى مستوى لها منذ أكثر من عقدين، والعديد من البلدان منخفضة الدخل، إما في حالة ضائقة ديون أو قريبة منها”. وتبعث قراءة تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي لصندوق النقد الدولي الصادر في أبريل/ نيسان 2022 شعوراً مريعاً، وهو ما يتضح من عنوانه الرئيسي: “صدمة جديدة ومجال ضيّق  للمناورة”. 

<جيلالي الغرباوي (المغرب)، تكوين، 1967.>

تخيم الدَيون على أفريقيا كقطيع من النسور ينقض على جثة الفريسة؛ إذ إن معظم بلدانها لديها فواتير بالفوائد أعلى بكثير من إيراداتها الوطنية، وميزانيات تدار من خلال التقشف، مدفوعةً بالتخفيضات الكبيرة في التوظيف الحكومي وفي قطاعي التعليم والرعاية الصحية. ولأن ما يقل قليلاً عن ثلثي الديون المستحقة على هذه البلدان مقومة بالعملات الأجنبية، فإن سداد الديون يكاد يكون مستحيلاً دون مزيد من الاقتراض، ما يؤدي إلى دورة من المديونية تترافق مع عدم توفر حل دائم في الأفق. ولن توفر أي من المشاريع المطروحة على الطاولة، مثل مبادرة تعليق خدمة الديون لمجموعة العشرين (DSSI) أو إطارها المشترك لمعالجة الديون، نوعا من الإعفاء من الديون المطلوب لبث الحياة في هذه الاقتصادات.

اقترحت حملة اليوبيل للديون في أكتوبر/ تشرين أول 2020 إجراءين منطقيين لإزالة عبء الديون المتراكمة: يمتلك صندوق النقد الدولي كميات كبيرة من الذهب تبلغ في مجملها 90.5 مليون أوقية، وذلك بقيمة إجمالية تبلغ 168 مليار دولار، ومن خلال بيع 6.7% من هذا الذهب يمكن جمع أكثر مما يكفي لدفع ديون البلدان الأفقر التي تبلغ 8.2 مليار دولار. واقترحت الحملة أيضاً أن الدول الغنية يمكنها سحب مليارات الدولارات من أجل إلغاء هذا الدَين عن طريق إصدار أقل من 9% من احتياطات حقوق السحب الخاصة لديها في صندوق النقد الدولي. فيما تشمل الطرق الأخرى لتقليل عبء الديون إلغاء مدفوعات الديون للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهما مؤسستان متعددتا الأطراف لديهما تفويض بضمان تقدم التنمية الاجتماعية وليس الهبات المالية الخاصة بهما. ومع ذلك، لم يتحرك البنك الدولي في ما يخص هذه الأجندة، وذلك على الرغم من الخطاب الدرامي لرئيسه في أغسطس/ آب 2020. وكذلك فإن تعليق ديون صندوق النقد الدولي المتواضع من مايو/أيار 2020 إلى ديسمبر/كانون أول 2021 لن يحدث فرقاً. وبالإضافة إلى هذه المقترحات الممكنة فإن تحويل ما يقرب من 40 تريليون دولار من الملاذات الضريبية غير المشروعة إلى الاستخدام الإنتاجي يمكن أن يساعد البلدان الأفريقية على الخلاص من فخ الديون المتصاعد.

<شكري مسلي (الجزائر)  الجزائر تشتعل، 1961.>

قال لي الرئيس السابق لمالي، أمادو توماني، مباشرة قبل الجائحة: “نحن نعيش في واحدة من أفقر الأماكن على الأرض”. ومالي هي جزء من منطقة الساحل في أفريقيا ويعيش 80% من سكانها بأقل من دولارين في اليوم. وسوف يشتد الفقر مع تصاعد الحرب والتغير المناخي والدَين الوطني والنمو السكاني. ففي القمة السابعة لزعماء دول الساحل الخمس، في فبراير/ شباط 2021، دعا رؤساء الدول إلى “إعادة هيكلة عميقة للدين”، لكن الصمت الذي تلقوه من صندوق النقد الدولي كان يصم الآذان. هذا وكانت مجموعة الساحل الخمس قد أُطلقت من قبل فرنسا عام 2014 كتشكيل سياسي لدول الساحل الخمس – بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، لكن هدفها الحقيقي اتضح عام 2017 من خلال تشكيل تحالفها العسكري (القوة المشتركة لمجموعة الساحل الخمس أو FC-G5S)، الذي وفر غطاءً للوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل. ويمكن لفرنسا الآن أن تدعي بأنها لو تغز أبدا هذه البلدان ولم تنتهك سيلادتها الرسمية، بل دخلت منطقة الساحل لمجرد مساعدة تلك الدول في مجابهة عدم الاستقرار.

إن جزءاً من المشكلة هو مطالبة هذه الدول بزيادة إنفاقها العسكري ضد أي زيادة على الإغاثة الإنسانية والتنمية. وإن دول مجموعة الساحل الخمس تنفق ما بين 17% و30% من إجمالي ميزانياتها على جيوشها. وقد قامت ثلاثة دول منها بتوسيع إنفاقها العسكري بشكل فلكي خلال العقد الماضي: بوركينا فاسو بنسبة 238%، ومالي بنسبة 339%، والنيجر بنسبة 288%.. إن تجارة السلاح تخنقها، فقد ضغطت الدول الغربية – بقيادة فرنسا ولكن بتشجيع من منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) – على هذه الدول للتعامل مع كل أزمة على أنها أزمة أمنية. إن الخطاب برمته يدور حول الأمن في حين تنحسر المحادثات حول التنمية الاجتماعية إلى الهامش. وحتى بالنسبة للأمم المتحدة فقد أصبحت مسائل التنمية تتراجع لصالح التركيز على الحروب. 

<.سليمان أوولوجويم (مالي)، المؤسسة، 2014>

في الأسبوعين الأولين من شهر مايو/ أيار 2022، طردت الحكومة العسكرية في مالي الجيش الفرنسي، وانسحبت من مجموعة الساحل الخمس في أعقاب الاستياء العميق في جميع أنحاء مالي بسبب الخسائر المدنية من الهجمات العسكرية الفرنسية، وموقف الحكومة الفرنسية المتعجرف تجاه الحكومة المالية. وقال العقيد عاصمي غوتا، الذي يقود المجلس العسكري، إن الاتفاق مع الفرنسيين “لم يجلب السلام ولا الأمن ولا المصالحة”، وإن المجلس العسكري يطمح إلى “وقف تدفق دماء الماليين”. وفي هذا السياق، نقلت فرنسا قوتها العسكرية من مالي إلى جارتها النيجر. 

لا أحد ينكر حقيقة أن الفوضى في منطقة الساحل قد تعمقت بسبب حرب الناتو عام 2011 ضد ليبيا، حيث اشتدّت تحديات مالي السابقة، بما فيها تمرد الطوارق المستمر منذ عقود والصراعات بين رعاة الفولاني ومزارعي الدوغون، وذلك بسبب دخول أسلحة ورجال من ليبيا والجزائر. هذا وظهرت ثلاث مجموعات جهادية، بما فيها القاعدة، كما لو كانت من العدم، واستخدمت التوترات الإقليمية القديمة للسيطرة على شمال مالي عام 2012، وإعلان دولة أزواد. وتبع ذلك التدخل العسكري الفرنسي في يناير 2013.

<جان ديفيد نكوت (الكاميرون)، #الحياة بين يديك، 2020.>

يوضح السفر عبر هذه المنطقة أن المصالح الفرنسية الأمريكية في الساحل لا تتعلق فقط بالإرهاب والعنف، فهناك انشغالان داخليان قادا كلتا القوتين الأجنبيتين إلى بناء وجود عسكري ضخم هناك، بما في ذلك أكبر قاعدة للطائرات بدون طيار في العالم، تديرها الولايات المتحدة في أغاديز- النيجر. الانشغال الأول هو أن هذه المنطقة هي موطن لموارد طبيعية كبيرة، بما في ذلك اليورانيوم الأصفر في النيجر، إذ ينتج منجمان في أرليت (النيجر) ما يكفي من اليورانيوم لتشغيل واحد من كل ثلاث مصابيح كهربائية في فرنسا، ولهذا تعمل شركات التعدين الفرنسية (مثل أريفا) في هذه المدينة التي تشبه  الحصن. ثانياً، تم تصميم هذه العمليات العسكرية لردع التدفق المستمر للمهاجرين الذين يغادرون مناطق مثل غرب إفريقيا وغرب آسيا مروراً عبر الساحل وليبيا، ثم يشقون طريقهم عبر البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا. فعلى طول منطقة الساحل، من موريتانيا إلى تشاد، بدأت أوروبا والولايات المتحدة بناء ما يرقى إلى أن يكون حداً عسكرياً. ونقلت أوروبا حدودها من الحافة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط إلى الحافة الجنوبية للصحراء الكبرى، وهو ما يهدد سيادة منطقة شمال إفريقيا.

<حواد (النيجر)، بدون عنوان، 1997.>

جاءت الانقلابات العسكرية في بوركينا فاسو ومالي نتيجة لفشل الحكومات الديمقراطية في كبح التدخل الفرنسي. وتُرك الأمر للجيش في مالي لإخراج الجيش الفرنسي والخروج من مشروعه السياسي المتمثل في مجموعة الساحل الخمس. واشتعلت الصراعات في مالي، كما أخبرني الرئيس السابق ألفا عمر كوناري منذ أكثر من عقد من الزمان، بسبب اختناق اقتصاد البلاد. وتُترك البلاد بشكل منتظم خارج إطار دعم البنية التحتية ومبادرات الإعفاء من الديون من قبل منظمات التنمية الدولية. 

 إن هذه الدولة الحبيسة تستورد أكثر من 70% من غذائها، الذي ارتفعت أسعاره بشكل كبير في الشهر الماضي. كما تواجه هذه البلاد عقوبات قاسية من قبل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، لن تؤدي إلا إلى تعميق الأزمة وإثارة صراع أكبر شمال العاصمة المالية باماكو.

ويؤثر الصراع في شمال مالي على حياة سكان الطوارق في البلاد، وهم شعب زاخر بالعديد من الشعراء والموسيقيين العظماء. كتب أحد هؤلاء، وهو سولوم دياجو، أن “الشخص بلا ذاكرة يشبه الصحراء بلا ماء”، إن ذكريات الأشكال الأقدم من الاستعمار تجعل العديد من الأفارقة يعتقدون أنهم يتم التعامل معهم على أنهم “ضحايا جانبيون” (وفق وصف فقي محمد من الاتحاد الأفريقي)، ويقتنعون بأن هذا التعامل غير مقبول. 

* نشرت هذه المراسلة في موقع معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي في 2 يونيو/ حزيران 2022.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة

أمريكا

كيف عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض؟

مدار: 07 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 أعطى الناخبون الأمريكيون أصواتهم لصالح مرشح الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، المعروف بتوجهاته اليمينية المعادية للمهاجرين والعرب والمسلمين. بهذا، يضمن