معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي + مدار: 25 تموز/ يوليو 2024*
فيجاي براشاد
هزّ صراع قوي منذ شهر مايو/ أيار الماضي جزيرة كاناكي (كاليدونيا الجديدة)، وهي أرخبيل يقع في المحيط الهادئ، على بعد حوالي 1500 كيلومتر شرق أستراليا. وتخضع الجزيرة، وهي واحدة من خمسة أقاليم ما وراء البحار في آسيا والمحيط الهادئ التي تحكمها فرنسا، (تخضع) للحكم الاستعماري الفرنسي منذ عام 1853. وقد بدأ شعب الكاناك الأصلي هذه السلسلة من الاحتجاجات بعد أن وسعت حكومة إيمانويل ماكرون الفرنسية حقوق التصويت في الانتخابات الإقليمية لآلاف المستوطنين الفرنسيين في الجزر. وأدت الاضطرابات إلى تعليق ماكرون للقواعد الجديدة مع تعريض سكان الجزر لقمع شديد.
فرضت الحكومة الفرنسية، في الأشهر الأخيرة، حالة الطوارئ وحظر التجول في الجزر ونشرت الآلاف من القوات الفرنسية التي قال ماكرون إنها ستبقى في كاليدونيا الجديدة ”طالما كان ذلك ضروريًا“. وقد ألقت السلطات الفرنسية القبض على أكثر من ألف متظاهر، بما في ذلك نشطاء استقلال الكاناك مثل كريستيان تين، زعيم خلية تنسيق الأعمال الميدانية (Cellule de coordination des actions de terrain)، وأُرسل بعضهم إلى فرنسا لمحاكمتهم. كانت التهم الموجهة ضد تين وآخرين، مثل تهمة الجريمة المنظمة، ستكون مثيرة للضحك لو لم تكن العواقب وخيمة.
والسبب في أن فرنسا قمعت بشدة الاحتجاجات في كاليدونيا الجديدة هو أن الدولة الإمبريالية القديمة تستخدم مستعمراتها ليس فقط لاستغلال مواردها (كاليدونيا الجديدة تمتلك خامس أكبر احتياطي من النيكل في العالم)، ولكن أيضًا لتوسيع نفوذها السياسي في جميع أنحاء العالم – وفي هذه الحالة، ليكون لها بصمة عسكرية في المنطقة المحاذية للصين. هذه القصة ليست جديدة على الإطلاق: فبين عامي 1966 و1996، على سبيل المثال، استخدمت فرنسا جزرًا في جنوب المحيط الهادئ لإجراء تجارب نووية. وقد أثرت إحدى هذه التجارب، وهي عملية سنتور ( تموز/ يوليو 1974)، على جميع سكان جزيرة موروروا المرجانية في بولينيزيا الفرنسية البالغ عددهم 110,000 نسمة. إن نضال شعوب الكاناك الأصلية في كاليدونيا الجديدة لا يتعلق فقط بالتحرر من الاستعمار، بل أيضًا بالعنف العسكري الرهيب الذي مارسته بلدان الشمال العالمي على هذه الأراضي والمياه. إن العنف الذي استمر من 1966 إلى 1996 يعكس الاستخفاف الذي لا يزال الفرنسيون يشعرون به تجاه سكان الجزر، حيث يعاملونهم على أنهم مجرد مخلفات، كما لو كانوا قد غرقوا في هذه الأراضي.
وفي ظلّ الاضطرابات الحالية في كاليدونيا الجديدة، تنامت عسكرة الشمال العالمي لمنطقة المحيط الهادئ، بقيادة الولايات المتحدة. ففي الوقت الحالي، يُجري 25,000 عسكري من 29 دولة مناورات “حافة المحيط الهادئ” (ريمباك). عمل معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي مع مجموعة من المنظمات – عدد منها من المحيطين الهادئ والهندي – من أجل صياغة البرقية الأحمر رقم 18 بشأن هذا التطور الخطير. وترد أسماء المنظمات في الأدنى.
البرقية الحمراء رقم 18. “إنهم يجعلون مياه المحيط الهادئ خطيرة”.
ما هي مناورات “ريمباك”؟
تجري الولايات المتحدة وحلفاؤها مناورات ”حافة المحيط الهادئ“ (ريمباك) منذ عام 1971. الشركاء الأوائل في هذا المشروع العسكري هم أستراليا وكندا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، وهم أيضاً الأعضاء الأصليون في شبكة العيون الخمس (العيون الأربعة عشر حالياً) الاستخباراتية التي أنشئت لتبادل المعلومات وإجراء تدريبات مراقبة مشتركة. كما أنها الدول الرئيسية الناطقة بالإنجليزية في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو، الذي أنشئ في 1949) وهي أعضاء في معاهدة “أنزوس” الاستراتيجية بين أستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة الأمريكية، الموقعة في عام 1951. وقد تطورت “ريمباك” لتصبح مناورات عسكرية كبرى تُجرى كل سنتين ويشارك فيها عدد من الدول ذات الولاءات المختلفة للشمال العالمي (بلجيكا، البرازيل، بروناي، شيلي، كولومبيا، الإكوادور، فرنسا، ألمانيا، الهند، إندونيسيا، إسرائيل، إيطاليا، اليابان، ماليزيا، المكسيك، هولندا، بيرو، الفلبين، جمهورية كوريا، سنغافورة، سريلانكا، تايلاند وتونغا).
بدأت مناورات “ريمباك 2024” في 28 حزيران/ يونيو وتستمر حتى 2 أغسطس/ آب. وتقام في هاواي، وهي أرض محتلة بشكل غير قانوني من قِبل الولايات المتحدة. ولدى حركة استقلال هاواي تاريخ في مقاومة هذه التدريبات التي تشكل جزءا من الاحتلال الأمريكي لأراضي هاواي ذات السيادة.
وتضم المناورات أكثر من 150 طائرة، و40 سفينة سطحية، وثلاث غواصات، و14 قوة برية وطنية، ومعدات عسكرية أخرى من 29 دولة، على الرغم من أن الجزء الأكبر من الأسطول من الولايات المتحدة. والهدف من التمرين هو ”قابلية التشغيل البيني“، وهو ما يعني فعلياً دمج القوات العسكرية (البحرية إلى حد كبير) للدول الأخرى مع القوات العسكرية الأمريكية. وتدير الولايات المتحدة الأمريكية القيادة والسيطرة الرئيسية للتمرين، وهي قلب وروح مناورات “ريمباك”.
لماذا مناورات “ريمباك” خطيرة”؟
تشير الوثائق والبيانات الرسمية المتعلقة بـ “ريمباك” إلى أن هذه المناورات تسمح لهذه القوات البحرية بالتدرب على ”مجموعة واسعة من العمليات المحتملة في جميع أنحاء العالم“. ومع ذلك، فمن الواضح من الوثائق الاستراتيجية الأمريكية ومن سلوك المسؤولين الأمريكيين الذين يديرون مناورات “ريمباك” أن محور التركيز هو الصين. كما توضح الوثائق الاستراتيجية أيضا أن الولايات المتحدة ترى الصين كتهديد كبير، بل التهديد الرئيسي، للهيمنة الأمريكية وتعتقد أنه يجب احتواؤها.
وقد جاء هذا الاحتواء من خلال الحرب التجارية ضد الصين، ولكن بشكل أكثر وضوحًا من خلال شبكة من المناورات العسكرية التي تقوم بها الولايات المتحدة. ويشمل ذلك إنشاء المزيد من القواعد العسكرية الأمريكية في الأراضي والبلدان المحيطة بالصين؛ واستخدام السفن العسكرية الأمريكية والحليفة لاستفزاز الصين من خلال مناورات حرية الملاحة؛ والتهديد بوضع صواريخ نووية أمريكية قصيرة المدى في البلدان والأراضي المتحالفة مع الولايات المتحدة، بما في ذلك تايوان؛ وتوسيع المطار في داروين بأستراليا لنشر الطائرات الأمريكية المزودة بصواريخ نووية؛ وتعزيز التعاون العسكري مع حلفاء الولايات المتحدة في شرق آسيا بلغة تظهر بدقة أن الهدف هو تخويف الصين؛ وإجراء مناورات “ريمباك” وخاصة خلال السنوات القليلة الماضية. وعلى الرغم من دعوة الصين للمشاركة في نسختي 2014 و 2016 من هذه التدريبات، عندما لم تكن مستويات التوتر عالية جدًا، إلا أنها لم تُدعَ للمشاركة في مناورات “ريمباك 2018”.
وعلى الرغم من أن وثائق “ريمباك” توحي بأن التدريبات العسكرية تجرى لأغراض إنسانية، إلا أن ذلك ما هو إلا حصان طروادة. وقد تجلى ذلك، على سبيل المثال، في مناورات “ريمباك 2000″، عندما أجريت مناورات ”الملاك القوي“ التدريبية الدولية للاستجابة الإنسانية. وفي عام 2013، تعاونت الولايات المتحدة والفلبين في تقديم المساعدات الإنسانية بعد إعصار هايان المدمر. وبعد فترة وجيزة من هذا التعاون، وقّعت الولايات المتحدة والفلبين اتفاقية التعاون الدفاعي المعزز (2014)، والتي تسمح للولايات المتحدة بالوصول إلى قواعد الجيش الفلبيني لصيانة مستودعات الأسلحة والقوات التابعة له. وبعبارة أخرى، فتحت العمليات الإنسانية الباب أمام تعاون عسكري أعمق.
“ريمباك” هي مناورات عسكرية بالذخيرة الحية. يُطلق على الجزء الأكثر إثارة في هذا التمرين اسم تمرين الإغراق (SINKEX)، وهو عبارة عن مناورة لإغراق السفن الحربية الخارجة عن الخدمة قبالة ساحل هاواي. ستكون القطعة المستهدفة في نسخة 2024 من هذه التداريب هي السفينة الحربية “USS Tarawa” التي تم إيقافها عن العمل، وهي سفينة هجومية برمائية تزن 40,000 طن كانت واحدة من أكبر السفن خلال فترة خدمتها.
لا توجد دراسة استقصائية للأثر البيئي للإغراق المنتظم لهذه السفن في المياه القريبة من الدول الجزرية، كما لا يوجد أي فهم للأثر البيئي لاستضافة هذه التدريبات العسكرية الضخمة ليس فقط في المحيط الهادئ ولكن في أماكن أخرى من العالم.
“ريمباك” جزء من الحرب الباردة الجديدة التي تفرضها الولايات المتحدة على المنطقة ضد الصين. وهي مصممة لإثارة الصراع. وهذا ما يجعل من “ريمباك” تمرينًا خطيرًا للغاية.
ما دور إسرائيل في “ريمباك”؟
شاركت إسرائيل، وهي ليست دولة ذات خط ساحلي على المحيط الهادئ، لأول مرة في مناورات “ريمباك 2018″، ثم شاركت مرة أخرى في نسختي 2022 و 2024. وعلى الرغم من أن إسرائيل لا تمتلك طائرات أو سفن في المناورات العسكرية، إلا أنها تشارك مع ذلك في مكون ”التشغيل البيني“، والذي يتضمن إنشاء قيادة وسيطرة متكاملة، بالإضافة إلى التعاون في الجزء الاستخباراتي واللوجستي من المناورات. تشارك إسرائيل في مناورات ”ريمباك 2024“ في نفس الوقت الذي تشن فيه عملية إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة. وعلى الرغم من أن العديد من الدول المراقبة في “ريمباك 2024” (مثل تشيلي وكولومبيا) كانت صريحة في إدانتها للإبادة الجماعية، إلا أنها تواصل المشاركة إلى جانب الجيش الإسرائيلي في “ريمباك 2024″، ولم يكن هناك أي مؤشر علني على ترددهما بشأن مشاركة إسرائيل في هذه المناورات العسكرية المشتركة الخطيرة.
إن إسرائيل دولة استعمارية استيطانية تواصل الفصل العنصري القاتل والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني. وفي جميع أنحاء المحيط الهادئ، قادت مجتمعات السكان الأصليين من أوتياروا (نيوزيلندا) إلى هاواي الاحتجاجات ضد تدريبات “ريمباك” على مدار الخمسين عامًا الماضية، قائلين إن هذه التدريبات تجري على أراضٍ ومياه مسروقة، وأنها تتجاهل التأثير السلبي على المجتمعات الأصلية التي تُجرى على أراضيها ومياهها تدريبات بالذخيرة الحية (بما في ذلك المناطق التي أجريت فيها تجارب نووية جوية في السابق)، وأنها تساهم في الكارثة المناخية التي ترفع مستوى المياه وتهدد وجود المجتمعات الجزرية. وعلى الرغم من أن مشاركة إسرائيل غير مفاجئة، إلا أن المشكلة لا تكمن في مجرد مشاركتها في هذه المناورات بل في وجود “ريمباك” نفسها. فإسرائيل دولة فصل عنصري تمارس الإبادة الجماعية، و”ريمباك” مشروع استعماري يهدد بحرب إبادة ضد شعوب المحيط الهادئ والصين.
- تي كواكا (أوتياروا)
- النملة الحمراء (أستراليا)
- حزب عمال بنغلاديش (بنغلاديش)
- التنسيقية من أجل فلسطين (شيلي)
- اليهود المناهضون للصهيونية ضد الاحتلال والفصل العنصري (شيلي)
- حزب الكومونيين (كولومبيا)
- مؤتمر الشعوب (كولومبيا)
- التنسيقية السياسية والاجتماعية، المسيرة الوطنية (كولومبيا)
- الحزب الاشتراكي التيموري (تيمور الشرقية)
- هوي ألوها آينا (هاواي)
- الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي اللينيني) التحرير (الهند)
- اتحاد النقابات العمالية الديمقراطية الشعبية (إندونيسيا)
- اتحاد النقابات العمالية المناضلة (إندونيسيا)
- اتحاد نقابات عمال المزارع الوطنية (إندونيسيا)
- مركز النضال الطلابي من أجل التحرر الوطني (إندونيسيا)
- سوليداريتاس.نت (إندونيسيا)
- جيغار أميريكا (ماليزيا)
- حزب سوسياليس ماليزيا (ماليزيا)
- لا للحرب الباردة
- حزب عمال عوامي (باكستان)
- حزب حقوق الخلق (باكستان)
- حزب مازدور كيسان (باكستان)
- حزب العمل (الفلبين)
- الحزب الاشتراكي الفلبيني (الفلبين)
- مركز الإستراتيجية الدولية (جمهورية كوريا)
- جاناتا فيموكتي بورامونا (سري لانكا)
- معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي
- الحزب الشيوعي النيبالي (الاشتراكي الموحد)
- كوديبينك: نساء من أجل السلام (الولايات المتحدة)
- نودوتدول (الولايات المتحدة)
- حزب الاشتراكية والتحرير (الولايات المتحدة)
عندما بدأت الاحتجاجات السياسية في كاليدونيا الجديدة في مايو/ أيار، سارعتُ إلى العثور على ديوان شعري لزعيمة استقلال الكاناك ديوي غوروديه (1949-2022) بعنوان ”تحت رماد قذائف المحار“ (Sous les cendres des conques، 1974). جاء في هذا الكتاب، الذي كُتب في العام نفسه الذي انضمت فيه غوروديه إلى المجموعة السياسية الماركسية ”الأوشحة الحمراء“، قصيدة ”المنطقة المحرمة“ (Zone interdite)، والتي تختتمها بـ:
رياو فاهيتاهى نوكوتافاكى
بيناكي تيماتانجي فانافانا
توريا ماريا ماروتيا
مانجاريفا موروروا فانجاتوفا
منطقة محرمة
في مكان ما في
ما يسمى بولينيزيا ”الفرنسية“.
هذه هي أسماء الجزر التي تأثرت بالفعل بتجارب القنابل النووية الفرنسية. لا توجد علامات ترقيم بين الأسماء، وهو ما يشير إلى أمرين: أولاً، أن نهاية جزيرة أو بلد ما لا تشير إلى نهاية التلوث النووي، وثانيًا، أن المياه التي تتدفق على الجزر لا تفرق بين الناس الذين يعيشون على مساحات شاسعة من المحيط، بل توحدهم ضد الإمبريالية. وقد حفز هذا الدافع غوروديه إلى تأسيس مجموعة 1878 (التي سميت باسم تمرد الكاناك في ذلك العام) ثم حزب تحرير الكاناك (Parti de libération kanak) في عام 1976، المنبثق عن مجموعة 1878. سجنت السلطات غوروديه مرارًا وتكرارًا من 1974 إلى 1977 بسبب قيادتها لنضال حزب تحرير الكاناك من أجل الاستقلال عن فرنسا.
خلال الفترة التي قضتها في السجن، أسست غوروديه مجموعة نساء الكاناك المستغلات المناضلات مع سوزانا أوونيي. وعندما غادرت هاتان المرأتان السجن، ساعدتا في تأسيس جبهة الكاناك للتحرير الوطني والاشتراكي (Front de Libération Nationale Kanak et Socialiste) في عام 1984. ومن خلال النضال المتضافر، انتخبت غوروديه نائبة لرئيس كاليدونيا الجديدة في عام 2001.
وقّعت ثلاث عشرة دولة في جنوب المحيط الهادئ على معاهدة “راروتونغا” سنة 1985، التي أنشئت منطقة خالية من الأسلحة النووية من الساحل الشرقي لأستراليا إلى الساحل الغربي لأمريكا الجنوبية. وباعتبارهما مستعمرتين فرنسيتين، لم توقع كاليدونيا الجديدة أو بولينيزيا الفرنسية على المعاهدة، ولكن وقعت عليها دول أخرى، بما في ذلك جزر سليمان وكوكي إيراني (جزر كوك). ماتت غوروديه الآن، وتستعد الأسلحة النووية الأمريكية لدخول شمال أستراليا في انتهاك للمعاهدة. لكن النضال لم ينتهِ.
الطرق لا تزال مسدودة. القلوب لا تزال مفتوحة.
*نشرت هذه المراسلة لأول مرة باللغة بالإنجليزية بتاريخ 18 تموز/ يوليو 2024.