معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 05 أغسطس/ غشت 2021
فيجاي براشاد
تُصدر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) مؤشراً شهرياً لأسعار الغذاء. وأظهر إصدار 3 يونيو/ حزيران أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت بنسبة 40%، وهو أكبر ارتفاع منذ عام 2011. وسيؤثر هذا الارتفاع في أسعار المواد الغذائية بشكل خطير على البلدان النامية، ومعظمها من المستوردين الرئيسيين للمواد الغذائية الأساسية.
وترتفع الأسعار نتيجة مجموعة من الأسباب، إلا أن الارتفاع الحالي جاء مدفوعاً إلى حد كبير بانهيار قطاعات كبيرة من الاقتصاد العالمي أثناء الجائحة. هناك في الأفق تلوح تحذيرات من التضخم العام بسبب الطلب المكبوت نتيجة الإغلاقات واختناقات الشحن، والزيادات في أسعار النفط على الدول الأكثر ثراءً، والتي لديها أدوات قليلة لإدارة التضخم بسبب قوة حاملي السندات الأثرياء، والدول الأكثر فقراً التي تدور في دوامة من أزمة ديون كارثية.
ويأتي ارتفاع أسعار الغذاء هذا في وقت تشهد معدلات البطالة ارتفاعاً مهولاً في أجزاء كثيرة من العالم. في 2 يونيو/ حزيران، أصدرت منظمة العمل الدولية تقريرها السنوي لمحة عامة عالمية عن العمالة والشؤون الاجتماعية: اتجاهات 2021، الذي كما كان متوقعاً أظهر أن الانهيار الاقتصادي الناجم عن الجائحة أدى إلى خسارة مئات الملايين من الوظائف وساعات العمل. هذا وتظهر منظمة العمل الدولية أن هذا الانهيار، الذي سرعت جائحة كورونا من وتيرته، أدى إلى “تفاقم التحديات الهيكلية طويلة الأمد والتفاوتات في عالم العمل، وتقويض التقدم الأخير في الحد من الفقر والمساواة بين الجنسين والعمل اللائق”.
إن آثار الانهيار متفاوتة للغاية، الأمر الذي يفاقم ما نسميها “ثلاثة أنظمة أبرتهايد في عالمنا اليوم” (المال والدواء والغذاء). تمنع برامج التطعيم المتوقفة في بلدان مثل الهند – التي تنتج 60% من اللقاحات في العالم – وتحديات الديون الخطيرة لبلدان مثل الأرجنتين – التي لا تستطيع إقناع حاملي السندات الأثرياء بمنحها فترة سماح لسداد مدفوعات خدمة الديون – الانتعاش وتزيد من ظاهرتي الجوع واليأس المتعاقبتين.
صُدم محررو مجلة New Frame (جوهانسبرج، جنوب إفريقيا) بحقيقة أن بطالة الشباب في بلاده بلغت 74.7% (معدل البطالة الإجمالي هو 42.3%، وهو رقم مذهل في حد ذاته). إن المزيد والمزيد من الناس يصارعون من أجل البقاء. تستحق الكلمات في افتتاحية New Frame الوقوف عندها:
الملايين من الناس يعيشون حياة بلا أفق، يقضون الوقت في ركود يتسم بتشديد دوائر العار والفشل والخوف واليأس. البعض يقضي معظم اليوم في النوم، والبعض يلجأ إلى أشكال من الصفقات الدينية التي تقدم الخضوع على أمل الثواب، فيما يستسلم البعض الآخر لإغراء تخفيف آلامهم بالهيروين الرخيص. يأخذ البعض ما في وسعهم ممن يستطيعون وكيف يستطيعون، وينجح البعض، بدعم من العائلة والأصدقاء والمجتمع، في إيجاد طريقة للتمسك بالأمل الكافي للاستمرار.
إن ثقل ما يعنيه كل هذا بالنسبة لهؤلاء الأشخاص وعائلاتهم، والتبديد الهائل لمواهبهم وإمكانياتهم، لا يُنظر إليه على أنه أزمة لدولتنا أو الأشخاص الذين يحكمونها أو معظم نخبنا.
تبدد الحيوات هدراً، والأصوات كأنها ضوضاء وليست خطاباً، والاحتجاجات كقضايا المرور أو جرائم. يقال للناس إن معاناتهم مسألة فشل شخصي، ومحاولاتهم للتعامل مع وضعهم ناتج عن انحلال أخلاقي. يمكن أن تقتلهم الدولة أثناء الاحتجاج أو أن تقوم بإخلائهم من منازلهم.
لا شيء هنا سيكون غريباً على القراء من أمريكا الجنوبية أو جنوب آسيا أو من بابوا غينيا الجديدة أو غينيا الاستوائية.
يُظهر تقرير منظمة العمل الدولية أن “المناطق الأكثر تضرراً في النصف الأول من عام 2021 كانت أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي وأوروبا وآسيا الوسطى”. هذه إحدى تلك العبارات – “المناطق الأكثر تضرراً” – التي تعني القليل، فكل منطقة في العالم هي الأكثر تضرراً، وكل منطقة مليئة بالمعاناة.
ومع ذلك تبقى أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي الأكثر تضرراً من جائحة كورونا، مع 8.4% من سكان العالم و27.8% من الوفيات بسبب الجائحة (على الرغم من أن هذه الأرقام غير دقيقة، نظراً للانهيار في الهند).
وتستمر حالات الإصابة بفيروس كورونا في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، حيث تجاوز عدد الوفيات المليون في أواخر مايو 2021. ونتيجة للهشاشة طويلة الأجل في المنطقة وعمليات الإغلاق غير المنتظمة، فإن معدلات البطالة مرتفعة، كما أن خدمة الدين الخارجي كنسبة من تصدير السلع والخدمات منهكة (تفوق 59%).
تمثل زيادة الفقر في صفوف الطبقة العاملة، التي تشمل كلاً من الموظفين والعاطلين عن العمل، مشكلة رئيسية في بلدان أمريكا اللاتينية. ومن المرجح أن يواجه الموظفون – الذين يعمل الكثير منهم ساعات أقل من ذي قبل، وفي ظل ظروف غير مستقرة – تحديات الجوع والإهانة، شأنهم في ذلك شأن أولئك الذين انزلقوا إلى صفوف البطالة الدائمة تقريباً. قال مدير منظمة العمل الدولية في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، فينيسيوس بينيرو، إن سياسات توليد فرص العمل “يجب أن تكون في قلب الانتعاش الاقتصادي”، على الرغم من أن قبضة التمويل الدولي تجعل من الصعب على الحكومات اعتماد سياسات توفير فرص العمل.
لهذا السبب بالذات بدأ معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي – في حوار مع شبكة من معاهد البحوث ذات التفكير المماثل – صياغة خطة لـ7.9 مليارات تحت قيادة التحالف البوليفاري لشعوب أمريكا- معاهدة تجارة الشعوب (ALBA-TCP). وقد قمنا بصياغة خطة من خمس نقاط نأمل أن تحفز النقاش والحوار:
- تعزيز مستويات السلع والخدمات الاجتماعية مثل الصحة العامة والتعليم العام والترفيه العام، لتقليل الضغط على الأجور.
- تقوية النقابات العمالية وثقافتها حتى لا يصير الناس يرون أنفسهم يائسين ومعزولين يحاولون العثور على عمل أو تحسين أماكن عملهم بأنفسهم.
- إنشاء مراكز توظيف ممولة من القطاع العام لمساعدة العاطلين في البحث عن عمل. ويجب أن تكون هذه المراكز متجذرة في شبكة من اتحاد العاطلين عن العمل.
- توفير أنظمة رعاية اجتماعية قوية ممولة من القطاع العام، دون استطلاع للموارد المالية ومتطلبات العمل.
- بدء عملية لتقصير أسبوع العمل بأجر معيشي للجميع.
نرحب بأي إضافات بخصوص هذه النقاط، التي ستكون جزءاً من خطة متكاملة تتضمن مقترحاً لتجنيد الأموال. إذا كانت لديكم أي اقتراحات، يرجى إرسالها إلى البريد الإلكتروني plan@thetricontinental.org
معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي هو شبكة لامركزية من مراكز البحث والمشروعات الموجودة في قارات إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. يقع أحد هذه المراكز في بوينس آيرس، حيث يدرس المعهد الأزمة في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي عن كثب، لكنه أيضاً يبحث بعناية في طرق الخروج من الأزمة.
ويبحث أحد التقارير، على سبيل المثال، بالتفصيل في وضع العمال غير المستقرين في الأرجنتين، والعمال المستبعدين الذين يحافظ عملهم على ترابط المجتمع. في هذا التقرير، لاحظ الباحثون أن حركة العمال المستبعدين (MTE) لا تقود نضالات العمال ضد ظروف عملهم الرهيبة فحسب، بل إن العمال لديهم خطة متكاملة لإعادة بناء الاقتصاد الأرجنتيني. ويبحث تقرير آخر من التجمع العمالي الأرجنتيني عن كثب في زيادة عدم المساواة بين الدول الغنية والفقيرة، وكذلك داخل الدول الفقيرة.
يقوم هؤلاء الباحثون ببناء تقييم قوي لإعادة إنتج الفقر، مع التركيز بشكل خاص على التقسيم الجنساني للعمل لتسليح النقاشات العامة حول الطريق إلى الأمام، ليس فقط للخروج من أزمة الجائحة، بل من أزمة الرأسمالية برمتها.
في عام 2019، أنشأ الفريق في بوينس آيرس مرصداً لتتبع الأحداث في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (OBSAL) بهدف إنتاج تحليل للإستراتيجيات والسياسات التي تؤثر على المنطقة. وتُنشر تقارير المرصد كل شهرين.
في التقرير رقم 12 (مايو/ أيار 2021)، على سبيل المثال، انتقل الباحثون من الاحتجاجات الجماهيرية والقمع في كولومبيا إلى انتخابات الجمعية التأسيسية الجديدة في تشيلي. لا يوجد مكان أفضل لفهم كثافة الأحداث التي تكشف – بعد التحليل –توجهات العمل البنيوية في القارة.
قالت أليسيا بارسينا، الأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (CEPAL)، خلال عرضها أمام لجنة الأمم المتحدة رفيعة المستوى بشأن التعاون في ما بين بلدان الجنوب في 2 يونيو، إن القارة بحاجة إلى القضاء على الفقر والتحرك نحو المساواة وتنشيط عملية التكامل الإقليمي. هذا تقييم صحيح، لكنه ضعف نتيجة تدخل الولايات المتحدة وحملة سندات الأثرياء، إذ إن الأول يسعى إلى دفع بلدان أمريكا اللاتينية ضد بعضها البعض، بينما يمنع الأخير إعادة التفاوض الصحي على الديون الإقليمية. يقوم باحثونا بجمع الأدلة ليس فقط حول المشاكل، لكن يسعون أيضاً إلى تجميع العناصر لإيجاد حلول للأزمات الهيكلية. تحتاج بلداننا إلى خطة طويلة الأمد للخروج من هذا الكابوس النيوليبرالي. ساعدونا في تطوير مثل هذه الأجندة.